والإشعار بأنّ الصادّ عنها كالصادّ عن الإيمان ، من حيث إنّها عماده ، والفارق بينه وبين الكفر.
ثمّ أعاد الحثّ على الانتهاء بصيغة الاستفهام ، مرتّبا على ما تقدّم من أنواع الصوارف ، فقال : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) إيذانا بأنّ الأمر في المنع والتحذير بلغ الغاية ، وأنّ الأعذار قد انقطعت ، أي : فهل أنتم مع ما تلي عليكم من هذه الصوارف منتهون؟ صيغته الاستفهام ، ومعناه النهي البليغ ، لأنّ الله تعالى ذمّ هذه الأفعال وأظهر قبحها ، وإذا ظهر قبح الفعل للمخاطب ثمّ استفهم عن تركه لم يسعه إلّا الإقرار بالترك ، فكأنّه قيل له : أتفعله بعد ما قد ظهر من قبحه فصار المنتهي بقوله : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) في محلّ من عقد عليه ذلك بإقراره ، فكان هذا أبلغ في باب النهي من أن يقال : انتهوا ولا تفعلوا.
قال ابن عبّاس : إنّ هاتين الآيتين نزلتا حين دعا سعد بن أبي وقّاص رجلا من الأنصار كان مواخيا له إلى طعام ، فبعد الأكل وشرب النبيذ سكرا ، فوقع بين الأنصاري وسعد مراء ومفاخرة ، فأخذ الأنصاري لحي (١) جمل فضرب به سعدا ، ففزر (٢) أنفه.
ولمّا أمر الله سبحانه باجتناب الخمر وما بعدها ، عقّبه بالأمر بالطاعة له فيه وفي غيره ، فقال : (وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) فيما أمرا به (وَاحْذَرُوا) عمّا نهيا عنه ، أو عن مخالفتهما (فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ) ولم تعملوا بما أمركم (فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) فاعلموا أنّكم لم تضرّوا الرسول بتولّيكم ، فإنّما عليه البلاغ وقد أدّى ، وإنّما ضررتم به أنفسكم. فهذا وعيد وتهديد.
روي عن ابن عبّاس وأنس بن مالك والبراء بن عازب ومجاهد وقتادة
__________________
(١) اللحي : عظم الحنك الذي عليه الأسنان ، وجمعه ألح ولحيّ.
(٢) فزر يفزره ، أي : شقّه وكسره.