لم يهلكوا ، فإذا هدمت أو تركوا الحجّ هلكوا».
وفي الحديث : «مكتوب في أسفل المقام : إنّي أنا الله ذو بكّة ، حرّمتها يوم خلقت السماوات والأرض ، ويوم وضعت هذين الجبلين ، وحففتهما بسبعة أملاك حنفاء ، من جاءني زائرا لهذا البيت عارفا بحقّه ، مذعنا لي بالربوبيّة ، حرّمت جسده على النار».
وعن أبي عبد الله عليهالسلام : «من أتى هذا البيت يريد شيئا للدنيا والآخرة أصابه».
وقرأ ابن عامر : قيما ، على أنّه مصدر على فعل كالشبع ، أعلّت عينه كما أعلّت في فعله. ونصبه على المصدر أو الحال.
(وَالشَّهْرَ الْحَرامَ) أي : وجعل الشهر الّذي يؤدّى فيه الحجّ ـ وهو ذو الحجّة ـ قياما للناس. وقيل : عنى به جنس الأشهر الحرم الأربعة ، واحد (١) فرد ، وثلاثة سرد. وهو عطف على «الكعبة» كما تقول : ظننت زيدا منطلقا وعمرا. وكذا قوله : (وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ) أي : والمقلّدات من الهدي خصوصا ، لأنّ الثواب فيه أكثر. وقد سبق (٢) تفسير القلائد.
(ذلِكَ) إشارة إلى الجعل ، أو إلى ما ذكر من الأمر بحفظ حرمة الإحرام وغيره (لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) فإنّ شرع الأحكام لدفع المضارّ قبل وقوعها ، وجلب المنافع المترتّبة عليها ، دليل حكمة الشارع وكمال علمه. (وَأَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) تعميم بعد تخصيص ، ومبالغة بعد إطلاق.
ولمّا تقدّم بيان الأحكام عقّبه سبحانه بذكر الوعد والوعيد ، فقال : (اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) لمن عصاه (وَأَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) لمن تاب وأطاع. وعيد ووعد لمن هتك محارمه ، ولمن حافظ عليها ، ولمن أصرّ عليه ، ولمن أقلع عنه.
وعقّب الإنذار والتبشير بقوله : (ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ) تشديد في
__________________
(١) وهو رجب ، والسّرد ـ أي : المتتابع ـ : ذو القعدة ، وذو الحجّة ، والمحرّم.
(٢) راجع ص ٢١٠ ذيل الآية ٢ من سورة المائدة.