وخيانة فيها (أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ) أو أقرب إلى أن يخافوا أن تردّ اليمين على المدّعين بعد أيمانهم ، فيفتضحوا بظهور كذبهم ، كما جرى في هذه القضيّة. فربما لا يحلفون كاذبين ، ويتحفّظون في الشهادة مخافة ردّ اليمين إلى المستحقّ عليهم. وإنّما جمع الضمير لأنّه حكم يعمّ الشهود كلّهم.
(وَاتَّقُوا اللهَ وَاسْمَعُوا) ما توصون به سمع إجابة وقبول (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) أي : فإن لم تتّقوا ولم تسمعوا كنتم قوما فاسقين ، والله لا يهدي الفاسقين إلى حجّة أو إلى طريق الجنّة ، كما يهدي غيرهم.
قال في كنز العرفان (١) : «وفي هاتين الآيتين أحكام :
الأول : إنّ الّذي يحضره أسباب الموت ينبغي أن يشهد عدلين على وصيّته ، إمّا من ذوي قرابته ، أو من أهل دينه ، وهو الإسلام. فإن تعذّر ذلك عليه ، بأن كان في سفر ، فآخران من الأجانب أو أهل الذمّة.
الثاني : أنّه إذا حمل الضمير في «منكم» على المسلمين ، وفي «غيركم» على غيرهم ، هل الحكم باق غير منسوخ أو لا؟ قال : أصحابنا بالأوّل ، وجوّزوا شهادة أهل الذمّة مع تعذّر المسلمين في الوصيّة. وقال جماعة من الفقهاء بالثاني ، وأنّ الآية منسوخة. والأصحّ الأوّل ، لأصالة عدم النسخ ، وتكون الآية مخصّصة لأدلّة اشتراط الإيمان والعدالة في الشاهد بما عدا الوصيّة. نعم ، يشترط عدالتهم في دينهم ، ويرجّحون على فسّاق المسلمين.
الثالث : أنّه إذا حمل الضمير في «منكم» على الأقارب دلّ على قبول شهادة القريب على قريبه مطلقا. وفيه ردّ على من منع ذلك من المخالفين.
الرّابع : أنّه على قول أصحابنا بقبول شهادة الذمّي في الوصيّة مع عدم عدول
__________________
(١) كنز العرفان ٢ : ٩٨ ـ ١٠٠.