ثمّ نظر عيسى عليهالسلام إلى السمكة فإذا هي كهيئتها حين نزلت من السماء ، ثمّ طارت المائدة صعدا وهم ينظرون إليها حتّى توارت عنهم ، فلم يأكل يومئذ منها زمن إلّا صحّ ، ولا مريض إلّا برىء ، ولا فقير إلّا استغنى ، ولم يزل غنيّا حتّى مات.
وندم الحواريّون ومن لم يأكل منها.
وكانت إذا نزلت اجتمع الأغنياء والفقراء والصغار والكبار يتزاحمون عليها ، فلمّا رأى ذلك عيسى جعلها نوبة بينهم ، فلبثت أربعين صباحا تنزل ضحى ، فلا تزال منصوبة يؤكل منها حتّى إذا فاء الفيء طارت صعدا ، وهم ينظرون في ظلّها حتّى توارت عنهم. وكانت تنزل غبّا ، يوما تنزل ويوما لا.
فأوحى الله إلى عيسى : عليهالسلام : اجعل مائدتي للفقراء والمرضى دون الأغنياء والأصحّاء. فعظم ذلك على الأغنياء حتّى شكّوا وشكّكوا الناس فيها.
فأوحى الله تعالى إلى عيسى : إنّي شرطت على المكذّبين شرطا إنّ من كفر بعد نزولها أعذّبه عذابا لا أعذّبه أحدا من العالمين. فقال عيسى عليهالسلام : (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (١). فمسخ منهم ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون رجلا ، باتوا من ليلتهم على فرشهم مع نسائهم في ديارهم فأصبحوا خنازير ، يسعون في الطرقات والكناسات ، ويأكلون العذرة في الحشوش. فلمّا رأى الناس ذلك فزعوا إلى عيسى وبكوا ، وبكى على الممسوخين أهلوهم ، فعاشوا ثلاثة أيّام ثمّ هلكوا.
وفي تفسير أهل البيت عليهمالسلام : كانت المائدة تنزل عليهم فيجتمعون عليها ويأكلون منها ، ثمّ ترفع. فقال كبراؤهم ومترفوهم : لا ندع سفلتنا يأكلون منها معنا.
فرفع الله المائدة ببغيهم ، ومسخوا قردة وخنازير.
وقيل : لمّا وعد الله تعالى إنزالها بهذه الشرائط استغفروا وقالوا : لا نريد ، فلم ينزل. والصحيح أنّها نزلت.
__________________
(١) المائدة : ١١٨.