أن يقولوا : إنّما سكّرت أبصارنا ، فتبقى لهم. وعلّة تقييده بالأيدي لدفع التجوّز ، فإنّه قد يتجوّز به للفحص ، كقوله : (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ) (١). فاللمس باليد أبلغ في الإحساس من المعاينة. (لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) تعنّتا وعنادا للحقّ بعد ظهوره.
(وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ) هلّا أنزل مع محمّد ملك نشاهده يكلّمنا أنّه نبيّ فنصدّقه ، كقوله : (لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً) (٢).
(وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً) على ما اقترحوه (لَقُضِيَ الْأَمْرُ) أي : أمر إهلاكهم. هذا جواب لما قالوا ، وبيان لما هو المانع ممّا اقترحوه. والمعنى : أنّ الملك لو أنزل بحيث عاينوه كما اقترحوا لحقّ إهلاكهم ، فإنّ سنّة الله جرت بذلك فيمن قبلهم (ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ) بعد نزوله طرفة عين ، لأنّهم لا يؤمنون عند مشاهدة تلك الآية الّتي لا شيء أبين منها ، فتقتضي الحكمة استئصالهم.
(وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ) هذا جواب ثان إن جعل الهاء للمطلوب. وإن جعل للرسول فهو جواب اقتراح ثان ، فإنّهم تارة يقولون : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ) ، وتارة يقولون : (لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً) (٣).
وعلى الأوّل معناه : ولو جعلنا قرينا لك ملكا يعاينوه. وعلى الثاني : ولو جعلنا الرسول ملكا لمثّلناه رجلا ، كما مثّل جبرئيل في صورة دحية الكلبي ، فإنّ القوّة البشريّة لا تقوى على رؤية الملك في صورته ، وإنّما رأى الملائكة بعض الأنبياء صلوات الله عليهم بقوّتهم القدسيّة.
وقوله : «وللبسنا» جواب محذوف ، أي : ولو جعلناه رجلا للبسنا ، أي :
__________________
(١) الجنّ : ٨.
(٢) الفرقان : ٧.
(٣) فصّلت : ١٤.