والفرق بينه وبين قوله : (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا) (١) أنّ السير ثمّة لأجل النظر ، لأنّ الفاء للسببيّة ، ولا كذلك هاهنا ، ولذلك قيل : معناه : إباحة السير للتجارة وغيرها ، وإيجاب النظر في آثار الهالكين.
(قُلْ) تبكيتا لهم (لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) خلقا وملكا (قُلْ لِلَّهِ) تقريرا لهم ، وتنبيها على أنّه المتعيّن للجواب بالاتّفاق ، بحيث لا يمكنهم أن يذكروا غيره. والمعنى : هو لله ، لا خلاف بيني وبينكم في ذلك ، ولا تقدرون أن تضيفوا شيئا منه إلى غيره.
(كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) أوجبها على ذاته والتزمها. والمراد بالرحمة ما يعمّ الدارين ، ومن ذلك الهداية إلى معرفته ، ونصب الأدلّة على توحيده ، وإنزال الكتب ، والإمهال على الكفر.
(لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) استئناف وقسم للوعيد على إشراكهم وإغفالهم النظر ، أي : ليجمعنّكم في القبور مبعوثين إلى يوم القيامة ، فيجازيكم على شرككم.
أو ليجمعنّ آخركم إلى أوّلكم قرنا بعد قرن إلى يوم القيامة ، أو في يوم القيامة.
و «إلى» بمعنى «في» شائع. وقيل : بدل من الرحمة بدل البعض ، فإنّ من رحمته بعثه إيّاكم ، وإنعامه عليكم (لا رَيْبَ فِيهِ) في اليوم ، أو الجمع.
(الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) بتضييع رأس ما لهم ، وهو الفطرة الأصليّة والعقل السليم. وموضع الموصول نصب على الذمّ ، أو رفع على الخبر ، أي : وأنتم الّذين ، أو على الابتداء وخبره قوله : (فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ). والفاء للدلالة على أنّ عدم إيمانهم مسبّب عن خسرانهم ، فإنّ إبطال العقل باتّباع الحواسّ والوهم ، والانهماك في التقليد وإغفال النظر ، أدّى بهم إلى الإصرار على الكفر ، والامتناع من الايمان.
(وَلَهُ) عطف على «لله» (ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) أي : ما تمكّن من
__________________
(١) النمل : ٦٩.