وقيل : «ما» مصدريّة على إرادة المفعول من المصدر ، أي : لا تنكحوا نكاح آبائكم ، بمعنى منكوحتهم ، إطلاقا للمصدر على المفعول. (مِنَ النِّساءِ) بيان ما نكح على الوجهين (إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) استثناء من المعنى اللازم للنهي ، كأنّه قيل : تستحقّون العقاب بنكاح ما نكح آباؤكم إلّا ما قد سلف ، فإنّه معفوّ عنها. أو من اللفظ ، للمبالغة في التحريم والتعميم ، كقوله :
ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم |
|
بهنّ فلول من قراع الكتائب |
والمعنى : ولا تنكحوا حلائل آبائكم إلّا ما قد سلف إن أمكنكم أن تنكحوا فانكحوه ، فإنّه لا يحلّ لكم غيره ، ولكنّه غير ممكن. فالغرض المبالغة في التحريم.
وقيل : الاستثناء منقطع ، ومعناه : لكن ما قد سلف ، فإنّه لا مؤاخذة عليه ، لا أنّه مقرّر.
عن ابن عبّاس وغيره : أنّ هذه الآية نزلت فيما كان يفعل أهل الجاهليّة من نكاح امرأة الأب ، ومنهم صفوان بن أميّة تزوّج امرأة أبيه فاختة بنت الأسود بن المطّلب ، وتزوّج حصين بن أبي قيس امرأة أبيه كبيشة بنت معن كما مرّ ، وتزوّج منظور بن ريّان امرأة أبيه مليكة بنت خارجة.
قال أشعث بن سوار : توفّي أبو قيس ، وكان من صالحي الأنصار ، فخطب ابنه قيس امرأته. فقالت : إنّي أعدّك من ولدي ، وأنت من صالحي قومك ، ولكنّني آتي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فأستأمره ، فأتته فأخبرته. فقال لها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ارجعي إلى بيتك. فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وكان ناس من ذوي مروءة الجاهليّة يمقتون ذلك ، ويسمّونه نكاح المقت ، ويقولون لمن ولد عليه : المقتي. ولهذا قال عزّ اسمه : (إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً) أي : إنّ نكاحهنّ فاحشة عند الله ، بالغة في القبح في دين الله ، ما رخّص فيه لأمّة من الأمم (وَمَقْتاً) وممقوتا مبغوضا عند ذوي المروءات (وَساءَ سَبِيلاً) سبيل من يراه