واكتفى بذكر الإنذار عن ذكر البشارة. (وَمَنْ بَلَغَ) عطف على ضمير المخاطبين ، أي : لأنذركم به يا أهل مكّة وسائر من بلغه من الأسود والأحمر ، أي : من العرب والعجم ، أو من الثقلين. أو لأنذركم أيّها الموجودون ومن بلغه إلى يوم القيامة. وهو دليل على أنّ أحكام القرآن تعمّ الموجودين وقت نزوله ومن بعدهم ، وأنّه لا يؤاخذ بها من لم تبلغه.
وروى الحسن في تفسيره عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : «من بلغه أنّي أدعو إلى أن لا إله إلّا الله فقد بلغه».
يعني : بلغته الحجّة ، وقامت عليه.
وعن سعيد بن جبير : من بلغه القرآن فكأنّما رأى محمّدا صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وفي تفسير العيّاشي قال أبو جعفر وأبو عبد الله عليهماالسلام : «معناه : من بلغ أن يكون إماما من آل محمّد فهو ينذر بالقرآن ، كما أنذر به رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم» (١).
وعلى هذا ، فيكون قوله : «ومن بلغ» في موضع الرفع عطفا على الضمير في «أنذر».
ثمّ قال تقريرا لهم مع إنكار واستبعاد : (أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرى) بعد وضوح الأدلّة ، وقيام الحجّة على وحدانيّته تعالى (قُلْ لا أَشْهَدُ) بما تشهدون (قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ) أي : بل اشهد أن لا إله إلّا الله (وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) به ، يعني : الأصنام.
(الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ) يعرفون رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بحليته المذكورة في التوراة والإنجيل ، ونعته الثابت فيهما ، معرفة خالصة واضحة (كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ) بحلاهم وصفاتهم ، لا يخفون عليهم ، ولا يلتبسون بغيرهم.
(الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) من أهل الكتاب الجاحدين والمشركين (فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) لتضييعهم ما به يكتسب الإيمان.
روي أنّ عبد الله بن سلام قال : وأيم الّذي يحلف به ابن سلام لأنا بمحمد أشدّ
__________________
(١) تفسير العيّاشي ١ : ٣٥٦ ح ١٢ و١٣.