حِجاباً مَسْتُوراً) (١). وهو قول أبي علي الجبائي.
ويحتمل ذلك وجها آخر ، وهو أنّه تعالى يعاقب هؤلاء الكفّار الّذين علم أنّهم لا يؤمنون بعقوبات يجعلها في قلوبهم ، يكون موانع من أن يفهموا ما يسمعونه.
ويحتمل أيضا أن يكون سمّى الكفر الّذي في قلوبهم كنّا تشبيها ومجازا ، وإعراضهم عن تفهّم القرآن وقرا توسّعا ، لأنّ مع الكفر والإعراض لا يحصل الإيمان والفهم ، كما لا يحصلان مع الكنّ والوقر. ونسب ذلك إلى نفسه ، لأنّه الّذي شبّه أحدهما بالآخر ، كما يقول أحدنا لغيره إذا أثنى على إنسان وذكر مناقبه : جعلته فاضلا ، وبالضدّ إذا ذكر مقابحه وفسقه يقول : جعلته فاسقا ، وكما يقال : جعل القاضي فلانا عدلا ، وكلّ ذلك يراد به الحكم عليه بذلك ، والإبانة عن حاله ، كما قال الشاعر :
جعلتني باخلا كلّا وربّ منى |
|
إنّي لأسمح كفّا منك في اللزب (٢) |
ومعناه : سمّيتني باخلا.
(وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها) لفرط عنادهم ، واستحكام التقليد فيهم (حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ) أي : بلغ تكذيبهم الآيات إلى غاية أنّهم جاؤك يجادلونك. و «حتى» هي الّتي تقع بعدها الجمل لا عمل لها. والجملة قوله : «إذا جاؤك» ، وجوابه وهو قوله : (يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا) ما هذا القرآن (إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) ، فإنّ جعل أصدق الحديث خرافات الأوّلين وأكاذيبهم ـ كحديث رستم وإسفنديار ، وغيره ممّا لا فائدة فيه ، ولا طائل تحته ، وغير مطابق للواقع ـ غاية التكذيب. و «يجادلونك» حال لمجيئهم.
ويجوز أن تكون «حتّى» هي الجارّة ، و «إذا جاؤك» في موضع الجرّ ،
__________________
(١) الإسراء : ٤٥.
(٢) اللزبة : الشدّة والقحط ، وجمعها : لزب.