ولكنّهم يجحدون بألسنتهم ، كقوله تعالى : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ) (١).
وقرأ نافع والكسائي : لا يكذبونك ، من : أكذبه ، إذا وجده كاذبا أو نسبه إلى الكذب.
(وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ) ولكنّهم يجحدون بآيات الله ويكذبونها. فوضع الظالمين موضع الضمير ، للدلالة على أنّهم ظلموا بجحودهم ، أو جحدوا لتمرّنهم على الظلم. والباء لتضمين الجحود معنى التكذيب.
وعن ابن عبّاس : كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يسمّى الأمين ، فعرفوا أنّه لا يكذب في شيء ، ولكنّهم كانوا يجحدون.
وروي أنّ الأخنس بن شريق قال لأبي جهل : يا أبا الحكم أخبرني عن محمد صادق هو أم كاذب؟ فإنّه ليس هاهنا أحد غيري وغيرك يسمع كلامنا.
فقال : ويحك والله إنّ محمدا صادق ، وما كذب قطّ ، ولكن إذا ذهب بنو قصيّ باللواء والسقاية (٢) والحجابة والنبوّة فما ذا يكون لسائر قريش؟
وروى سلام بن مسكين ، عن أبي بريد المدني ، أنّ رسول الله لقي أبا جهل فصافحه أبو جهل ، فقيل له في ذلك ، فقال : والله إنّي لأعلم أنّه صادق ، ولكنّا متى كنّا تبعا لعبد مناف؟ فأنزل الله تعالى الآية.
ثمّ قال لمزيد تسلية : (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ). وفيه دليل على أنّ قوله : (لا يُكَذِّبُونَكَ) ليس لنفي تكذيبه ، بل تكذيب مرسله ، وهو الله تعالى ، كما مرّ.
(فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا) على ما نالهم منهم من التكذيب والأذى في أداء الرسالة ، فتأسّ بهم واصبر (حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا) إيّاهم على المكذّبين. وفيه إيماء بوعد النصر للصابرين. (وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللهِ) لمواعيده من قوله :
__________________
(١) النمل : ١٤.
(٢) في هامش النسخة الخطية : «السقاية : حياض من أدم ، يسقون الحاج منها. والحجابة : سدنة الكعبة. منه».