يدعوهم. ولكنّه جاء بـ «لولا» ليدلّ على أنّه لم يكن له عذر في ترك التضرّع إلّا عنادهم وقسوة قلوبهم ، وإعجابهم بأعمالهم الّتي زيّنها الشيطان لهم ، كما قال : (وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) استدراك على المعنى ، وبيان للصارف لهم عن التضرّع ، وأنّه لا مانع لهم إلّا قساوة قلوبهم ، وإعجابهم بأعمالهم الّتي زيّنها الشيطان لهم.
وفي هذا حجّة على من قال : إنّ الله لم يرد من الكافر إيمانا ، لأنّه سبحانه بيّن أنّه إنّما فعل ذلك بهم ليتضرّعوا ، وبيّن أنّ الشيطان هو الّذي زيّن الكفر للكافر ، بخلاف ما قالت المجبّرة من أنّه سبحانه هو المزيّن لهم ذلك.
(فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ) أي : تركوا ما وعظوا به من البأساء والضرّاء ، ولم يتّعظوا به (فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ) من أنواع النعم ، امتحانا لهم بالصحّة والتوسعة بعد السقم والنقم ، إلزاما للحجّة وإزاحة للعلّة ، كما يفعل الوالد البارّ بولده العاقّ المخاشنة تارة والملاطفة أخرى ، لصلاحه. أو مكرا بهم ، لما روي أنّه عليهالسلام قال : مكر بالقوم وربّ الكعبة.
وقرأ ابن عامر : فتّحنا بالتشديد في جميع القرآن. ووافقه يعقوب فيما عدا هذا والّذي في الأعراف (١).
(حَتَّى إِذا فَرِحُوا) أعجبوا (بِما أُوتُوا) من النعم ، واشتغلوا بالتلذّذ ، وأظهروا البطر بما أعطوه ، ولم يروه نعمة من الله ليشكروه (أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً) مفاجأة من حيث لا يشعرون (فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ) آيسون من النجاة والرحمة ، متحسّرون منقطعوا الحجّة.
عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إذا رأيت الله يعطي على المعاصي فإنّ ذلك استدراج منه ، ثمّ تلا هذه الآية».
__________________
(١) الأعراف : ٩٦.