التوحيد (أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) عن عبادة ما تعبدون من دون الله ، أو ما تدعونها آلهة ، أي : تسمّونها.
ثمّ أكّد قطعا لأطماعهم ، وإشارة إلى الموجب للنهي وعلّة الامتناع عن متابعتهم ، واستجهالا لهم ، وبيانا لمبدأ ضلالهم ، وأنّ ما هم عليه هوى وليس بهدى ، وتنبيها لمن تحرّى الحقّ على أن يتّبع الحجّة ولا يقلّد ، فقال : (قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ) أي : لا أجري على طريقتكم الّتي سلكتموها في دينكم ، من اتّباع الهوى دون اتّباع الدليل. (قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً) أي : إن اتّبعت أهواءكم فأنا ضالّ. (وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) السالكين طريق الهدى حتى أكون من عدادهم. وفيه تعريض بأنّهم كذلك.
ثمّ نبّه على ما يجب اتّباعه بعد ما بيّن ما لا يجوز اتّباعه ، فقال : (قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ) البيّنة الدلالة الواضحة الّتي تفصل الحقّ من الباطل. وقيل : المراد بها القرآن والوحي ، أو الحجج العقليّة ، أو ما يعمّها. والمعنى : إنّي على حجّة واضحة وشاهد صدق (مِنْ رَبِّي) من معرفته وأنّه لا معبود سواه. وإذا كان الشيء ثابتا عندك ببرهان قاطع قلت : أنا على يقين منه وعلى بيّنة منه. ويجوز أن يكون صفة لـ «بيّنة» ، إذ المراد بالبيّنة الدليل ، أي : على حجّة من جهة ربّي ، وهو القرآن.
(وَكَذَّبْتُمْ بِهِ) الضمير لـ «ربّي» ، أي : وكذّبتم بالله حيث أشركتم به غيره. أو للبيّنة باعتبار المعنى ، وهو القرآن.
ثمّ عقّبه بما دلّ على استعظام تكذيبهم بالله ، وشدّة غضبه عليهم لذلك ، وأنّهم أحقّاء بأن يغافصوا (١) بالعذاب المستأصل ، فقال : (ما عِنْدِي) ليس عندي (ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ) يعني : العذاب الّذي استعجلوه بقولهم : (فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) (٢). (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) في تعجيل عذابكم وتأخيره
__________________
(١) غافصه : فاجأه وأخذه على غرّة منه.
(٢) الأنفال : ٣٢.