وقد خوّفوه أنّ معبوداتهم تصيبه بسوء ، فقال في جوابهم : (وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ) أي : لا أخاف معبوداتكم في وقت قطّ ، لأنّها لا تقدر بنفسها على نفع وضرّ (إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً) أي : إلّا وقت مشيئة ربّي شيئا ، بأن يصيبني بمكروه من جهتها ، إن أصبت ذنبا أستوجب به إنزال المكروه ، مثل أن يرجمني بكوكب أو بشقّة من الشمس أو القمر على مضرّة ، بأن يحييها ويقدّرها فتضرّ وتنفع.
(وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً) كأنّه علّة الاستثناء ، أي : أحاط به علما ، فلا يبعد أن يكون في علمه أن يحيق بي مكروه من جهتها. (أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ) فتميّزوا بين الصحيح والفاسد ، والقادر والعاجز.
ثمّ احتجّ عليهم ، وأكّد الحجاج بقوله : (وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ) ولا يتعلّق به ضرر (وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ) أي : ولا تخافون إشراككم بالله ، وهو حقيق بأن يخاف منه كلّ الخوف ، لأنّه إشراك للمصنوع بالصانع ، وتسوية بين المقدور العاجز بالقادر الضارّ النافع.
(ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً) ما لم ينزّل بإشراكه كتابا ، أو لم ينصب عليه دليلا ، ولا يصحّ أن يكون علمه حجّة ، وكأنّه قال : وما لكم تنكرون عليّ الأمن في موضع الأمن ، ولا تنكرون على أنفسكم الأمن في موضع الخوف؟! (فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ) فريق المشركين أو فريق الموحّدين (أَحَقُّ بِالْأَمْنِ). وإنّما لم يقل : أيّنا أنا أم أنتم؟ احترازا من تزكية نفسه. (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ما يحقّ أن يخاف منه.
ثمّ استأنف الجواب عمّا استفهم عنه بقوله : (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا) ولم يخلطوا (إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ) أي : بالشرك (أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) محكوم لهم بالاهتداء.
والدليل على أنّ المراد بالظلم هاهنا الشرك قرينة المقام ، ولما روي أنّ الآية