أنّ نمرود كان من ولاة كيكاوس. وبعضهم قال : كان ملكا برأسه. وقيل لنمرود : إنّه يولد في بلده هذه السنة مولود يكون هلاكه وزوال ملكه على يده. ثمّ اختلفوا فقال بعضهم : إنّما قالوا ذلك من طريق التنجيم والتكّهن.
وقال أبو عبد الله والباقر عليهماالسلام ومحمّد بن إسحاق : إنّ نمرود رأى كوكبا طلع فذهب بضوء الشمس والقمر ، فسأل عنه فعبّر بأنّه يولد غلام يذهب ملكه على يده ، فعند ذلك أمر بقتل كلّ غلام يولد تلك السنة. وأمر بأن يعزل الرجال عن النساء ، وبأن يتفحّص عن أحوال النساء ، فمن وجدت حبلى تحبس حتّى تلد ، فإن كان غلاما قتل ، وإن كان جارية خلّيت ، حتّى حملت أمّ إبراهيم ، فلمّا دنت ولادة إبراهيم خرجت أمّه هاربة ، فذهبت به إلى غار ولفّته في خرقة ، ثمّ جعلت على باب الغار صخرة ، ثمّ انصرفت عنه.
فجعل الله تعالى رزقه في إبهامه ، فجعل يمصّها فتشخب لبنا ، وجعل يشبّ في اليوم كما يشبّ غيره في الجمعة ، ويشبّ في الجمعة كما يشبّ غيره في الشهر ، ويشبّ في الشهر كما يشبّ غيره في السنة ، فمكث ما شاء الله أن يمكث.
وقيل : كانت تختلف أمّه إليه ، فكان يمصّ أصابعه ، فوجدته يمصّ من إصبع ماء ، ومن إصبع لبنا ومن إصبع عسلا ، ومن إصبع تمرا ، ومن إصبع سمنا. ولمّا بلغ سنّ التمييز خرج من الغار ونظر إلى النجم وكان آخر الشهر ، فرأى الكوكب قبل القمر ، ثمّ رأى القمر ، ثمّ رأى الشمس ، فقال ما قال. ولمّا رأى قومه يعبدون الأصنام خالفهم. وكان يعيب آلهتهم ، حتّى فشا أمره ، وجرت المناظرات والمحاجّات ، كما قال الله تعالى : (وَحاجَّهُ قَوْمُهُ) أي : خاصموه في التوحيد ، وبترك عبادة آلهتهم منكرين (قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللهِ) في وحدانيّته. وقرأ نافع وابن عامر بتخفيف النون. (وَقَدْ هَدانِ) إلى توحيده.