قالُوا ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ) حين أنكروا الوحي وبعثة الرسل ، وذلك من عظائم رحمته وجلائل نعمته. أو في السخط على الكفّار وشدّة البطش بهم ، حين جسروا على هذه المقالة.
والقائلون هم اليهود. وإنّما قالوا ذلك مبالغة في إنكار إنزال القرآن ، بدليل نقض كلامهم وإلزامهم بقوله : (قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً) ليستضاء به في الدين (وَهُدىً لِلنَّاسِ) يهتدون به. وبدليل قراءة الجمهور في قوله :(تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً) بالتاء. وإنّما قرأ بالياء ابن كثير وأبو عمرو حملا ، على «قالوا» و (ما قَدَرُوا اللهَ).
والمعنى : جاء به موسى وهو نور (وَهُدىً لِلنَّاسِ) حتى غيّروه وبعّضوه ، وجعلوه ورقات مقطّعة متفرّقة ، ليتمكّنوا ممّا حاولوه من الإبداء والإخفاء. أو تضمّن ذلك توبيخهم على سوء جهلهم بالتوراة ، وذمّهم على تجزئتها ، بإبداء بعض انتخبوه وكتبوه في ورقات متفرّقة ، وإخفاء بعض لا يشتهونه.
روي أنّه جاء رجل من اليهود يقال له : مالك بن الصيف ـ وهو من أحبارهم ـ يخاصم النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقال له النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : أنشدك بالّذي أنزل التوراة على موسى ، أما تجد في التوراة أنّ الله تعالى يبغض الحبر السمين ، فأنت الحبر السمين ، قد سمنت ممّا يطعمك اليهود؟ وكان سمينا. فضحك القوم ، فغضب وقال : ما أنزل الله على بشر من شيء. فقال له أصحابه : ويحك ولا موسى؟! فقال : إنّه أغضبني.
فنزعوه وجعلوا مكانه كعب بن الأشرف. فنزلت الآية.
وقيل : إنّ اليهود قالت : يا محمد أنزل الله عليك كتابا؟ قال : نعم. قالوا : والله ما أنزل الله من السماء كتابا ، فنزلت.
وفي رواية أخرى انّها نزلت في مشركي مكّة أنكروا قدرة الله عليهم ، فألزمهم بإنزال التوراة ، لأنّه من المشهورات الذائعة عندهم ، ولذلك كانوا يقولون :