وممّا يدلّ أيضا على أنّ لفظ الاستمتاع في الآية لا يجوز أن يكون المراد به الانتفاع والجماع ، أنّه لو كان كذلك لوجب أن لا يلزم شيء من المهر من لا ينتفع من المرأة بشيء ، وقد علمنا أنّه لو طلّقها قبل الدخول لزمه نصف المهر. ولو كان المراد به النكاح الدائم لوجب للمرأة بحكم الآية جميع المهر بنفس العقد ، لأنّه قال : (وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) أي : مهورهنّ ، ولا خلاف في أنّ ذلك غير واجب ، وإنّما تجب الأجرة بكمالها بنفس العقد في نكاح المتعة.
ودليل آخر على إثبات عقد المتعة الرواية المشهورة عن عمر بن الخطّاب : «متعتان كانتا على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنا أنهى عنهما». وفي رواية أخرى : «أنا أحرّمهما وأعاقب عليهما» فأخبر أنّ المتعة كانت على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأضاف النهي أو التحريم عنها إلى نفسه لضرب من الرأي ، فلو كان النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم نسخها أو نهى عنها وأباحها في وقت مخصوص دون غيره ـ كما هو رأي العامّة ـ لأضاف التحريم إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم دون نفسه. وأيضا فإنّه قرن بين متعة الحجّ ومتعة النساء في النهي ، ولا خلاف في أنّ متعة الحجّ غير منسوخة ولا محرّمة ، فوجب أن يكون حكم متعة النساء كذلك.
وعلى هذا فمعنى قوله : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ) لا حرج ولا إثم عليكم في استئناف عقد آخر بعد انقضاء مدّة الأجل المضروب في عقد المتعة ، مع زيادة المدّة والأجر على حسب التراضي. وهذا قول الإماميّة ، وتظاهرت به الروايات عن أئمّتهم عليهمالسلام. ومن قال : إنّ المراد بالاستمتاع الانتفاع والجماع ، قال : المعنى : لا حرج عليكم فيما يزاد على المسمّى أو يحطّ عنه بالتراضي ، أو فيما تراضيا به من نفقة أو مقام أو فراق.
(إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً) بالمصالح (حَكِيماً) فيما شرع لعباده ، من عقد النكاح الّذي به تحفظ الأنساب ، وسائر أحكام أخر.