لا يحسن إيصالهم إليها إلّا بالاستحقاق ، لاقترانها بالتعظيم والإجلال.
(إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ) أي : ما به إليكم حاجة ، لأنّه غنيّ مطلق ، إن يشأ يذهبكم أيّها العصاة (وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ) من الخلق ، أي : ينشئ من بعد إهلاككم وإذهابكم خلقا غيركم يطيعونه ، يكونون خلفا لكم (كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ) أي : قرنا بعد قرن ، لكنّه أبقاكم ترحّما عليكم.
(إِنَّ ما تُوعَدُونَ) من البعث والحشر ، والثواب والعقاب ، وتفاوت أهل الجنّة والنار في الدرجات والدركات (لَآتٍ) لكائن لا محالة (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) طالبكم بالبعث. والإعجاز أن يأتي الإنسان بشيء يعجز خصمه عنه ، فيكون قد جعله عاجزا منه. فالمعنى : لستم بمعجزين الله عن الإتيان بالبعث والعقاب.
(قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ) على غاية تمكّنكم ، وأقصى استطاعتكم وإمكانكم. يقال : مكّن مكانة إذا تمكّن أبلغ التمكّن. أو على حالكم الّتي أنتم عليها ، أو على ناحيتكم وجهتكم الّتي أنتم عليها ، من قولهم : مكان ومكانة ، كمقام ومقامة. وقرأ أبو بكر عن عاصم : مكاناتكم ، بالجمع في جميع القرآن. يقال للرجل إذا أمر أن يثبت على حاله : على مكانك يا فلان ، أي : اثبت على ما أنت عليه لا تنحرف. وهو أمر تهديد. والمعنى : اثبتوا على كفركم وعداوتكم لي.
(إِنِّي عامِلٌ) ما كنت عليه من المصابرة والثبات على الإسلام. والتهديد بصيغة الأمر مبالغة في الوعيد ، كأنّ المهدّد يريد تعذيبه ، فيحمله بالأمر على ما يفضي به إليه ، وتسجيل بأنّ المهدّد لا يتأتّى منه إلّا الشرّ ، فكأنّه مأمور به ، وهو واجب عليه حتم ، ليس له أن يتفصّى عنه ويعمل بخلافه.
(فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ) أيّنا تكون له العاقبة المحمودة؟ وهذا نحو قوله : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) (١) : جعل «من» استفهاميّة ، بمعنى : أيّنا تكون له
__________________
(١) فصّلت : ٤٠.