الجاهليّة. ثم أكّد هذا بقوله : (بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) أي : أنتم وأرقّاؤكم متناسبون ، لأنّ نسبكم من آدم عليهالسلام ودينكم الإسلام ، فلا تستنكفوا من نكاحهنّ.
(فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَ) الضمير للفتيات ، أي : تزوّجوهنّ بإذن مواليهنّ (وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) أي : أدّوا إليهنّ مهورهنّ بإذن أهلهنّ ، فحذف لتقدّم ذكره ، أو إلى مواليهنّ بحذف المضاف ، للعلم بأنّ المهر للسيّد ، لأنّه عوض حقّه ، فيجب أن يؤدّى إليه. وقال مالك : المهر للأمة ، ذهابا إلى الظاهر. (بِالْمَعْرُوفِ) بغير مطل وضرار ونقصان ، وإحواج إلى الاقتضاء (مُحْصَناتٍ) عفائف (غَيْرَ مُسافِحاتٍ) غير مجاهرات بالسفاح (وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ) أخلّاء في السرّ.
عن ابن عبّاس أنّه قال : كان قوم في الجاهليّة يحرّمون ما ظهر من الزنا ، ويستحلّون ما خفي منه ، فنهى الله تعالى عن الزنا جهرا وسرّا.
(فَإِذا أُحْصِنَ) فإذا زوّجن. وقرأ أبو بكر وحمزة والكسائي : «فإذا أحصنّ» بفتح الهمزة والصاد ، أي : أحصنّ أنفسهنّ بالتزوّج. (فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ) بزنا (فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ) يعني : الحرائر (مِنَ الْعَذابِ) من الحدّ ، لقوله تعالى : (وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (١). وهو خمسون جلدة. وفيه دلالة على أنّ حدّ العبد نصف حدّ الحرّ ، وأنّه لا يرجم ، لأنّ الرجم لا ينتصف.
(ذلِكَ) أي : نكاح الإماء عند عدم الطول (لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ) لمن خاف الوقوع في الزنا عند شدّة الشبق. وهو في الأصل انكسار العظم بعد الجبر ، مستعار لكلّ مشقّة وضرر ، ولا ضرر أعظم من الوقوع في الزنا ، لأنّه أفحش القبائح ، ومستلزم للحدّ في الدنيا والعذاب في الآخرة. وقيل : المراد به حدّ الأحرار. وهذا شرط آخر لنكاح الإماء.
(وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ) أي : وصبركم عن نكاح الإماء متعفّفين خير لكم.
__________________
(١) النور : ٢.