ثمّ بيّن سبحانه ما حرّم تعالى على اليهود ، فقال : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا) أي : وعلى اليهود (حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ) كلّ ما ليس بمنفرج الأصابع ، كالإبل والسباع والطيور. وقيل : كلّ ذي مخلب وحافر. وسمّي الحافر ظفرا مجازا. وكان بعض ذوات الظفر حلالا لهم ، فلمّا ظلموا حرّم عليهم ، فعمّ التحريم كلّ ذي ظفر ، بدليل قوله : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) (١).
وقوله : (وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما) الثروب (٢) وشحوم الكلى. والإضافة لزيادة الربط. (إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما) إلّا ما علقت بظهورهما من الشحم. وهو اللحم السمين ، فإنّه لم يحرّم عليهم. (أَوِ الْحَوايا) أو ما اشتمل على الأمعاء من الشحوم ، فإنّه غير محرّم عليهم أيضا. جمع حاوية ، أو حاوياء ، كقاصعاء وقواصع ، أو حويّة ، كسفينة وسفائن. وقيل : هو عطف على شحومهما ، و «أو» بمعنى الواو. وكذا قوله : (أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ) هو شحم الألية ، لاتّصالها بالعصعص (٣).
(ذلِكَ) التحريم أو الجزاء (جَزَيْناهُمْ) وهو تحريم الطيّبات (بِبَغْيِهِمْ) بسبب ظلمهم (وَإِنَّا لَصادِقُونَ) فيما أوعدنا به العاصين ، لا نخلفه كما لا نخلف ما وعدناه للمطيعين. أو في الإخبار عن بغيهم.
(فَإِنْ كَذَّبُوكَ) فيما تقول (فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ) يمهلكم على التكذيب ، فلا تغترّوا بإمهاله ، فإنّه لا يهمل. (وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) حين ينزل. أو ذو رحمة واسعة على المطيعين ، وذو بأس شديد على المجرمين ، فأقام مقامه (وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ) ، لتضمّنه التنبيه على إنزال البأس عليهم ، مع الدلالة
__________________
(١) النساء : ١٦٠.
(٢) جمع الثرب ، وهو الشحم الرقيق الذي على الكرش والأمعاء.
(٣) العصعص والعصعوص : عظم الذنب.