يستطيع الدفاع عن نفسه ولا عن ماله ، فيكون الطمع في ماله أشدّ ، ويد الرغبة إليه أمدّ ، فأكّد تعالى النهي عن التصرّف في ماله ، وإن كان ذلك واجبا في مال كلّ أحد.
(وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ) بالعدل والتسوية (لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) إلّا ما يسعها ولا تعجز عنه. وإنّما ذكره عقيب الأمر ، لأنّ مراعاة التعديل فيهما على الحدّ الّذي لا زيادة فيه ولا نقصان ممّا يتعذّر ، فأمر ببلوغ الوسع ، وأنّ ما وراءه معفوّ عنه.
(وَإِذا قُلْتُمْ) في حكومة وغيرها (فَاعْدِلُوا) فيه ، أي : فقولوا الحقّ (وَلَوْ كانَ) المقول له أو عليه في شهادة وغيرها (ذا قُرْبى) من ذوي قرابتكم. فما ينبغي أن يزيد في القول أو ينقص ، كقوله (وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) (١). (وَبِعَهْدِ اللهِ) أي : ما عهد إليكم من ملازمة العدل وتأدية أحكام الشرع (أَوْفُوا) بالامتثال (ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) تتّعظون به.
(وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً) الإشارة فيه إلى ما ذكر في السورة ، فإنّها بأسرها في إثبات التوحيد والنبوّة وبيان الشريعة. وقرأ حمزة والكسائي : إنّ بالكسر على الاستئناف ، وابن عامر ويعقوب بالفتح والتخفيف ، والباقون بالفتح مشدّدة بتقدير اللام ، على أنّه علّة لقوله : (فَاتَّبِعُوهُ) أي : فاتّبعوا ما في هذه السورة ، لأنّه صراطي مستقيما. وقرأ ابن عامر : صراطي بفتح الياء.
(وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ) الأديان المختلفة ، من اليهوديّة والنصرانيّة والمجوسيّة ، وسائر البدع والشبهات ، أو الطرق التابعة للهوى ، فإنّ مقتضى الحجّة واحد ، ومقتضى الهوى متعدّد ، لاختلاف الطبائع والعادات (فَتَفَرَّقَ بِكُمْ) فتفرّقكم وتزيلكم (عَنْ سَبِيلِهِ) عن صراط الله المستقيم ، وهو دين الإسلام.
وروي عن ابن مسعود : «أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم خطّ خطّا ثمّ قال : هذا سبيل الرشد ،
__________________
٤ : ١٥٧٣.
(١) النساء : ١٣٥.