عايشهم وعمّر فيهم. وكان يدعوهم ليلا ونهارا ، فلا يزيدهم دعاؤه إلّا فرارا. وكان يضربه قومه حتّى يغشى عليه ، فإذا أفاق قال : اللهمّ اهد قومي ، فإنّهم لا يعلمون. ثمّ شكاهم إلى الله تعالى ، فغرقت له الدنيا ، وعاش بعد ذلك تسعين سنة. وروي أكثر من ذلك أيضا.
وذكر اللام لأنّه جواب قسم محذوف ، كأنّه قيل : حقّا أقول : إنّا أرسلناه ، ولا تكاد تطلق هذه اللام إلّا مع «قد» لأنّها مظنّة التوقّع ، فإنّ المخاطب إذا سمعها توقّع وقوع ما صدّر بها.
(فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ) أي : اعبدوه وحده ، لقوله : (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) بالرفع على محلّ «من إله». وقرأ الكسائي : غيره بالجرّ على اللفظ. (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) إن لم تؤمنوا. وهذا وعيد وبيان للداعي إلى عبادة الله ، لأنّه هو الّذي يحذر عقابه دون من كانوا يعبدونه من دونه. واليوم هو القيامة ، أو يوم نزول الطوفان.
(قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ) أي : الأشراف ، فإنّهم يملأون العيون بحسن منظرهم وبهجتهم ووجاهتهم (إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ) ذهاب عن الحقّ (مُبِينٍ) بيّن الضلالة.
والمراد بالرؤية رؤية القلب الّذي هو العلم. وقيل : رؤية البصر ، أي : نراك بأبصارنا على هذه الحال.
(قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ) أي : شيء من الضلال. بالغ في النفي ، فإنّ الضلالة كانت أبلغ في نفي الضلال ، كما بالغوا في الإثبات ، وعرّض لهم به. (وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) استدراك باعتبار ما يلزمه ، وهو كونه على هدى ، كأنّه قال : ولكنّي على هدى في الغاية ، لأنّي رسول من الله.
(أُبَلِّغُكُمْ) كلام مستأنف بيانا لكونه رسول ربّ العالمين ، أو صفة لـ «رسول». قرأ أبو عمرو : وأبلغكم بالتخفيف. (رِسالاتِ رَبِّي) جمع الرسالات