قوله : (ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ) (١). (ما نَزَّلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ) أي : لو استحقّت للعبادة كان استحقاقها بجعله عزوجل ، إمّا بإنزال آية أو نصب حجّة. فبيّن بذلك أنّ منتهى حجّتهم وسندهم أنّ الأصنام تسمّى آلهة ، من غير دليل يدلّ على تحقّق المسمّى ، لفرط جهالتهم وغباوتهم.
ولمّا وضح الحقّ وأنتم مصرّون على العناد (فَانْتَظِرُوا) نزول عذاب الله ، فإنّه نازل بكم (إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) لنزوله بكم.
(فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ) في الدين ، من العذاب (بِرَحْمَةٍ مِنَّا) عليهم ، بأن أخرجناهم من بينهم قبل إنزال العذاب بهم (وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) أي :دمّرناهم واستأصلناهم عن آخرهم ، فلم يبق لهم نسل ولا ذرّيّة (وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ) تعريض بمن آمن منهم ، وتنبيه على أنّ الفارق بين من نجا ومن هلك هو الإيمان.
وقصّة عاد إجمالا : أنّهم قد تبسّطوا في البلاد ما بين عمان وحضر موت ، وكانت مساكنهم في اليمن بالشحر والأحقاف ، وهي رمال يقال لها : رمل عالج.
وكان لهم زرع ونخل ، ولهم أعمار طويلة ، وأجساد عظيمة. وكانت لهم أصنام يعبدونها : صداء ، وصمود ، والهباء. فبعث الله إليهم هودا نبيّا ، وكان من أوسطهم وأفضلهم حسبا ، فكذّبوه وازدادوا عتوّا وتجبّرا ، فأمسك الله عنهم القطر ثلاث سنين حتّى جهدوا. وكان الناس إذا نزل بهم بلاء طلبوا إلى الله الفرج منه عند بيته الحرام ، مسلمهم ومشركهم. وأهل مكّة إذ ذاك العماليق ، أولاد عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح ، وسيّدهم معاوية بن بكر.
فجهّزت عاد إلى مكّة سبعين رجلا ، منهم قيل بن عنز ومرثد بن سعد الّذي كان يكتم إسلامه. فلمّا قدموا نزلوا على معاوية بن بكر ـ وهو بظاهر مكّة خارجا
__________________
(١) العنكبوت : ٤٢.