عقاب الله تعالى ، ثمّ ذكّرهم بإنعامه.
(وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً) أي : طولا وقوّة. قال الكلبي : كان أطولهم مائة ذراع ، وأقصرهم ستّين ذراعا. وقال أبو جعفر عليهالسلام : «كانوا كأنّهم النخل الطوال ، وكان الرجل منهم ينحو الجبل بيده فيهدم منه قطعة».
(فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ) أي : نعم الله في استخلافكم وبسطة أجرامكم ، وغير ذلك من عطاياه. وواحد الآلاء إلى (١) ، ونحوه أنى وآناء ، وضلع وأضلاع ، وعنب وأعناب. (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) لكي تفوزوا بنعيم الدنيا والآخرة.
(قالُوا أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا) من الأصنام.
استبعدوا اختصاص الله تعالى بالعبادة ، والإعراض عمّا أشرك به آباؤهم ، انهماكا في التقليد ، وحبّا لما ألفوه. ومعنى المجيء إمّا المجيء من مكان اعتزل به عن قومه ، أو من السماء على التهكّم ، أو القصد على المجاز ، كقولهم : ذهب يسبّني ، ولا يراد حقيقة الذهاب.
(فَأْتِنا بِما تَعِدُنا) من العذاب المدلول عليه بقوله : (أَفَلا تَتَّقُونَ). وهذا استعجال منهم للعذاب. (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) في أنّك رسول الله إلينا ، وفي نزول العذاب بنا لو لم نترك عبادة الأصنام.
(قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ) قد وجب وحقّ عليكم ، أو نزل عليكم على أنّ المتوقّع الّذي لا بدّ من نزوله بمنزلة الواقع (مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ) عذاب ، من الارتجاس ، وهو الاضطراب (وَغَضَبٌ) إرادة انتقام.
(أَتُجادِلُونَنِي) أتناظرونني وتخاصمونني (فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ) في أشياء ما هي إلّا أسماء ليس تحتها مسمّيات ، لأنّكم سمّيتموها آلهة ، ومعنى الإلهيّة فيها معدوم ، فإنّ المستحقّ للعبادة بالذات هو الموجد للكلّ. ونحوه
__________________
(١) الإلي والإلى والألى : النعمة. ومثّل لها المصنّف «قدسسره» بثلاث صيغ ، ف : أنى على زنة ألى ، وضلع على زنة إلي ، وعنب على زنة إلى.