(قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ) وصف الملأ الّذين كفروا دون الملأ من قوم نوح ، لأنّه كان في أشرافهم من آمن به كمرثد بن سعد ، بخلاف قوم نوح. (إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ) متمكّنا ومنغمسا في خفّة عقل ، راسخا فيها حيث فارقت دين قومك. فجعلوا السفاهة ظرفا على طريق المجاز ، لإفادة أنّه متمكّن فيها غير خال عنها. (وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ) أي : كذّبوه ظانّين لا متيقّنين.
(قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ) أي : لم يحملني على هذا الإخبار السفاهة (وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ).
في إجابة (١) الأنبياء عليهمالسلام ـ من نسبتهم إلى الضلال والسفاهة ، بما أجابوهم به من الكلام الصادر عن الحلم والإغضاء ، وترك المقابلة بما قالوا لهم ، مع علمهم بأنّ خصومهم أضلّ الناس وأسفههم ـ أدب حسن وخلق عظيم. وحكاية الله عزوجل ذلك تعليم لعباده كيف يخاطبون السفهاء؟ وكيف يغضّون عنهم ، ويسبلون أذيالهم على ما يكون منهم؟
والحاصل : أنّ هذا تعليم من الله أن لا يقابل السفهاء بالكلام القبيح ، ولكن يقتصر الإنسان على نفي ما أضيف إليه عن النفس.
(أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ) فيما أدعوا إليه من توحيد الله وطاعته (أَمِينٌ) ثقة مأمون في تأدية الرسالة ، فلا أكذب فيه. أو عرفت فيما بينكم بالنصح والأمانة ، فما حقّي أن أتّهم.
(أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ) أي : لا عجب في أن جاءكم نبوّة (عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ) أي : اذكروا وقت استخلافكم (مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ) أي : في مساكنهم أو في الأرض ، بأن جعلكم ملوكا ، فإنّ شدّاد بن عاد ممّن ملك معمورة الأرض من رمل عالج إلى بحر عمان ، فخوّفهم هود أوّلا من
__________________
(١) خبر مقدّم ، والمبتدأ قوله بعد أسطر : أدب حسن.