الرجل لصاحبه وهو ميّت ، وكان قد نصحه فلم يسمع منه حتّى ألقى بنفسه في التهلكة : يا أخي كم نصحتك ، وكم قلت لك فلم تقبل منّي؟ ويجوز أن يتولّى عنهم تولّي ذاهب عنهم ، منكر لإصرارهم حين رأى العلامات قبل نزول العذاب.
وملخّص قصّتهم : أنّ عادا لمّا هلكت عمرت ثمود بلادها ، وخلّفوهم في الأرض ، وكثروا وعمّروا أعمارا طوالا ، حتّى إن الرجل كان يبني المسكن المحكم فينهدم في حياته ، فنحتوا البيوت من الجبال. وكانوا في سعة ورخاء من العيش ، فعتوا على الله ، وأفسدوا في الأرض ، وعبدوا الأوثان ، فبعث الله إليهم صالحا ، وكانوا قوما عربا ، وصالح من أوسطهم نسبا. فدعاهم إلى الله ، فلم يتّبعه إلّا قليل منهم مستضعفون ، فحذّرهم وأنذرهم. فسألوه آية.
فقال : أيّة آية تريدون؟
قالوا : تخرج معنا إلى عيدنا في يوم معلوم لهم من السنة ، فتدعو إلهك وندعو آلهتنا ، فإن استجيب لك اتّبعناك ، وإن استجيب لنا اتّبعتنا.
فقال صالح : نعم. فخرج معهم ودعوا أوثانهم ، وسألوها الاستجابة فلم تجبهم.
ثمّ قال سيّدهم جندع بن عمرو ، وأشار إلى صخرة منفردة في ناحية الجبل يقال لها الكاثبة : أخرج لنا من هذه الصخرة ناقة مخترجة جوفاء وبراء. والمخترجة هي الّتي شاكلت البخت. فإن فعلت صدّقناك وأجبناك.
فأخذ صالح عليهالسلام المواثيق عليهم لئن فعلت ذلك لتؤمننّ ولتصدّقنّ؟ قالوا : نعم. فصلّى ودعا ربّه فتمخّضت الصخرة تمخّض النتوج بولدها ، فانصدعت عن ناقة عشراء جوفاء وبراء كما وصفوا ، لا يعلم ما بين جنبيها إلّا الله ، وعظماؤهم ينظرون ، ثمّ نتجت ولدا مثلها في العظم. فآمن به جندع ورهط من قومه ، ومنع الباقين من الإيمان ذؤاب بن عمرو ، والحباب صاحب أوثانهم ، ورباب كاهنهم.