من قبل نفوسهم ، فقال : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى) يعني : القرى المدلول عليها بقوله : (وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍ) (١). فكأنّه قال : ولو أنّ أهل تلك القرى الّذين كذّبوا.
وقيل : مكّة وما حولها. وقيل : اللام للجنس. (آمَنُوا) بدل أن كفروا (وَاتَّقَوْا) مكان أن أشركوا وعصوا (لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ) خيرات نامية (مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) أي : لوسّعنا عليهم الخير ، ويسّرناه لهم من كلّ جانب. ومنه قولهم :فتحت على القارئ ، إذا تعذّرت عليه القراءة فيسّرتها عليه بالتلقين. وقيل : المراد المطر والنبات. وقرأ ابن عامر : لفتّحنا بالتشديد.
(وَلكِنْ كَذَّبُوا) الرسل (فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) بسوء كسبهم ، من الكفر والمعاصي.
(أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى) عطف على قوله : (فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ).
وما بينهما اعتراض ، والهمزة للإنكار. والمعنى : أبعد ذلك أمن أهل القرى الّذين يكذّبون نبيّنا (أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً)؟ أي : وقت بيات ، أو مبيّتا ، أو مبيّنين ، أو بمعنى : تبييتا ، كالسلام بمعنى التسليم ، فكأنّه قيل : أن يبيّتهم بأسنا تبييتا. وهو في الأصل مصدر بمعنى : البيتوتة. (وَهُمْ نائِمُونَ) حال من ضمير «هم» البارز ، أو المستتر في «بياتا».
(أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى) قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر : أو بالسكون ، على الترديد. (أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى) ضحوة النهار. وهو في الأصل ضوء الشمس إذا ارتفعت. ونصبه على الظرف. (وَهُمْ يَلْعَبُونَ) يلهون من فرط الغفلة ، أو يشتغلون بما لا ينفعهم ، فكأنّهم يلعبون. وتخصيص هذين الوقتين لغفلتهم فيهما غالبا.
(أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ) تكرير لقوله : (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى). ومكر الله تعالى استعارة لاستدراج العبد ، وأخذه من حيث لا يحتسب. فعلى العاقل أن يكون خائفا
__________________
(١) الأعراف : ٩٤.