وإيقاظا للمؤمنين حتّى لا يغفلوا عن محاسبة أنفسهم ومراقبة أحوالهم ، فقال : (وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ) بأن جعلنا لهم فيه طرقا يابسة حتّى عبروا ، ثمّ أغرقنا فرعون وقومه. والبحر هو النيل ، نهر مصر.
روي أنّ موسى عليهالسلام عبر بهم يوم عاشوراء بعد إهلاك فرعون وقومه ، فصاموه شكرا.
(فَأَتَوْا) فمرّوا (عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ) يقيمون ويواظبون (عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ) على عبادتها. قيل : كانت تماثيل بقر ، وذلك أوّل شأن العجل. والقوم كانوا من العمالقة الّذين أمر موسى بقتالهم. وقيل : من لخم. وهي حيّ من اليمن ، منهم ملوك العرب في الجاهليّة. وقرأ حمزة : يعكفون بالكسر.
(قالُوا) أي : قال الجهّال من قومه (يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً) انصب لنا مثالا نعبده (كَما لَهُمْ آلِهَةٌ) يعبدونها. و «ما» كافّة للكاف ، ولذلك وقعت الجملة بعدها.
عن عليّ عليهالسلام : «أنّ يهوديّا قال له : اختلفتم بعد نبيّكم قبل أن يجفّ ماؤه.
فقال : قلتم : اجعل لنا آلهة ، ولمّا تجفّ أقدامكم».
(قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) وصفهم بالجهل المطلق وأكّده ، لبعد ما صدر عنهم عن العقل ممّا قالوا ، وللتعجّب منه بعد ما رأوا من الآيات الباهرة.
ثمّ قال تنبيها وإيقاظا : (إِنَّ هؤُلاءِ) إشارة إلى القوم (مُتَبَّرٌ) مكسّر مدمّر (ما هُمْ فِيهِ) من عبادة الأصنام. يعني : أنّ الله تعالى يهدم دينهم الّذي هم عليه ، ويحطّم أصنامهم ، ويجعلها رضاضا. (وَباطِلٌ) ومضمحلّ (ما كانُوا يَعْمَلُونَ) من عبادتها فيما سلف. وإنّما بالغ في هذا الكلام بإيقاع «هؤلاء» اسم «إن» ، والإخبار عمّا هم فيه بالتبار ، وعمّا فعلوا بالبطلان ، وتقديم الخبرين في الجملتين الواقعتين خبرا لـ «إنّ» ، للتنبيه على أنّ الدمار لاحق بهم لا محالة ، وأنّ الإحباط الكلّي لازم لما مضى عنهم ، تنفيرا وتحذيرا عمّا طلبوا.
(قالَ أَغَيْرَ اللهِ) المستحقّ للعبادة (أَبْغِيكُمْ إِلهاً) أطلب لكم معبودا (وَهُوَ