(فَلَمَّا أَفاقَ) من صعقته (قالَ) تعظيما لما رأى (سُبْحانَكَ) أنزّهك ممّا لا يجوز عليك (تُبْتُ إِلَيْكَ) من الجرأة والإقدام على تلك المقالة العظيمة بغير إذنك ، وإن كان لغرض صحيح (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) بأنّك لا ترى.
قال صاحب (١) الكشّاف : «فانظر أيّها الطالب للحقّ ، والسالك في طريق الرشاد ، إلى إعظام الله أمر الرؤية في هذه الآية ، وكيف أرجف الجبل بطالبيها ، وجعله دكّا ، وأصعقهم ولم يخلّ كليمه من نفيان (٢) ذلك ، مبالغة في إعظام الأمر؟ وكيف سبّح ربّه ملتجأ إليه ، وتاب من إجراء تلك الكلمة على لسانه ، فقال : وأنا أوّل المؤمنين؟ ثمّ تعجّب من المتسمّين بالإسلام كيف اتّخذوا هذه العظيمة مذهبا؟ نعوذ بالله من الأهواء المضلّة ، والطرق الملحدة».
وقيل في الآية وجه آخر : وهو أن يكون المراد بقوله : (أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) عرّفني نفسك تعريفا واضحا جليّا ، بإظهار بعض آيات الآخرة الّتي تضطرّ الخلق إلى معرفتك. «أنظر إليك» أعرفك معرفة ضروريّة كأنّي أنظر إليك ، كما جاء في الحديث : «سترون ربّكم كما ترون القمر ليلة البدر» بمعنى : ستعرفونه معرفة جليّة مثل أبصاركم القمر إذا استوى بدرا. (قالَ لَنْ تَرانِي) لن تطيق معرفتي على هذه الطريقة ، ولن تحتمل قوّتك تلك الآية. (وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ) فإنّي أورد عليه آية من تلك الآيات ، فإن ثبت لتجلّيها واستقرّ مكانه فسوف تثبت لها وتطيقها. (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ) فلمّا ظهرت للجبل آية من آيات ربّه (جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً) لعظم ما رأى. (فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ) ممّا اقترحت وتجاسرت ، وأنا من المؤمنين بعظمتك وجلالك.
__________________
(١) الكشّاف ٢ : ١٥٦.
(٢) النفيان : ما تنفيه الريح في أصول الشجر من التراب. والمراد هنا : ما يتطاير من أجزاء الجبل عند اندكاكه.