(فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ) فلمّا ظهر له عظمته واقتداره ، وتصدّى له أمره وإرادته (جَعَلَهُ دَكًّا) مدكوكا مفتّتا. مصدر بمعنى مفعول ، كضرب الأمير. والدكّ والدقّ أخوان ، كالشكّ والشقّ. وقرأ حمزة والكسائي : دكّاء. وهي اسم للرابية الناشزة من الأرض كالدكّة. أو أرضا دكّاء ، أي : مستوية. ومنه قولهم : ناقة دكّاء للّتي لا سنام لها.
قيل : ساخ في الأرض حتّى فني.
وقيل : تقطّع أربع قطع : قطعة ذهبت نحو المشرق ، وقطعه ذهبت نحو المغرب ، وقطعة سقطت في البحر ، وقطعة صارت رملا.
وفي الحديث : صار الجبل ستّة أجبل : ثلاثة بالمدينة ، وثلاثة بمكّة ، فالّتي بالمدينة : أحد وورقان ورضوي ، والّتي بمكّة : ثور وثبير وحراء.
(وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً) مغشيّا عليه غشية كالموت من هول ما رأى. والصعق من باب : فعلته ففعل ، تقول : صعقته فصعق. وأصله من الصاعقة.
وعن ابن عبّاس : أخذته الغشية يوم الخميس يوم عرفة ، وأفاق عشيّة الجمعة. وأمّا السبعون الّذين كانوا معه فقد ماتوا كلّهم ، لقوله : (ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ) (١).
وروي (٢) أنّ الملائكة مرّت عليه وهو مغشيّ عليه ، فجعلوا يلكزونه بأرجلهم ويقولون : يا ابن النساء الحيّض أطمعت في رؤية ربّ العزّة؟
__________________
(١) البقرة : ٥٦.
(٢) أوردها في الكشّاف (٢ : ١٥٥). وليت المفسّر «قدسسره» لم يذكرها هنا.
والجدير الأليق تنزيه الملائكة عليهمالسلام ـ وهم عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون (سورة الأنبياء : ٢٦ ـ ٢٧) ـ عن مثل هذا الكلام الجافي ، وإهانة موسى كليم الله عليهالسلام باللكز بالرجل ، والحطّ من كرامته ، وخطابه بما لا يخاطب به إلا السفلة الرعاع. وهي رواية غير مسندة ، وتشبه أن تكون من الإسرائيليّات ، وأقاصيص المهوّسين ، وخرافات الجاهلين.