مع الباقين. فلمّا دنوا من الجبل غشيه غمام ، فدخل موسى عليهالسلام بهم الغمام ، وخرّوا سجّدا ، فسمعوه تعالى وهو يكلّم موسى يأمره وينهاه. ثمّ انكشف الغمام ، فأقبلوا إليه فطلبوا الرؤية ، فوعظهم وزجرهم وأنكر عليهم.
فقالوا : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) (١). فقال : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) (٢). فأجيب : (لَنْ تَرانِي) (٣) فأخذتهم الرجفة ، أي : الصاعقة أو رجفة الجبل ، فصعقوا منها.
(فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ) هذا تمنّي هلاكهم وهلاكه قبل أن يرى ما رأى من تبعة طلب الرؤية ، أو بسبب آخر غير الرجفة. أو عنى به أنّك قدرت على إهلاكهم قبل ذلك ، بحمل فرعون على إهلاكهم ، وبإغراقهم في البحر ، فترحّمت عليهم بالإنقاذ منها ، فإن ترحّمت عليهم مرّة أخرى لم يبعد من عميم إحسانك.
(أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا) من العناد والتجاسر على طلب الرؤية. قاله بعضهم. وقيل : المراد بما فعل السفهاء عبادة العجل. والسبعون اختارهم موسى لميقات التوبة عنها ، فغشيتهم هيبة قلقوا منها ورجفوا ، حتّى كادت تبين مفاصلهم ، وأشرفوا على الهلاك ، فخاف عليهم موسى فبكى ودعا ، فكشف الله عنهم.
(إِنْ هِيَ) ما هذه الحالة (إِلَّا فِتْنَتُكَ) ابتلاؤك حين كلّمتني وأسمعتهم كلامك حتّى طمعوا في الرؤية ، لاستدلالهم بالكلام على الرؤية استدلالا فاسدا حتّى افتتنوا. أو أوجدت في العجل خوارا فزاغوا به.
(تُضِلُّ بِها) بالفتنة تخلية وخذلانا (مَنْ تَشاءُ) أي : الجاهلين غير الثابتين في معرفتك (وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ) أي : العالمين بك. وجعل ذلك إضلالا وهدى من الله ، لأنّ محنته لمّا كانت سببا لأن ضلّوا واهتدوا فكأنّه أضلّهم بها وهداهم ، على الاتّساع في الكلام. وقيل : معناه : تهلك بها من تشاء ، وتنجي من تشاء.
(أَنْتَ وَلِيُّنا) مولانا القائم بأمورنا (فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ)
__________________
(١) البقرة : ٥٥.
(٢ ، ٣) الأعراف : ١٤٣.