عليهم ، كالشحوم (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ) ما يستخبث ، كالميتة والدم ولحم الخنزير ، أو ما خبث في الحكم من المكاسب الخبيثة ، كالربا والرشوة.
(وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ) ويخفّف عليهم الثقل الّذي يأصر صاحبه ، أي : يحبسه من الحراك لثقله. وهو مثل لثقل ما كلّفوا به ، نحو اشتراط قتل الأنفس في صحّة التوبة. (وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ) العهود الّتي كانت في ذممهم. وهذا أيضا مثل لما كان في شرائعهم من الأشياء الشاقّة ، نحو قطع الأعضاء الخاطئة ، وقرض موضع النجاسة من الجلد والثوب ، وإحراق الغنائم ، وتحريم العروق في اللحم ، وتحريم السبت.
وعن عطاء : كانت بنو إسرائيل إذا قامت تصلّي لبسوا المسوح (١) ، وغلّوا أيديهم إلى أعناقهم ، وربّما ثقب الرجل ترقوته ، وجعل فيها طرف السلسلة ، وأوثقها إلى السارية ، يحبس نفسه على العبادة. وجعل تلك العهود بمنزلة الأغلال الّتي تكون في الأعناق ، للزومها ، كما يقال : هذا طوق في عنقك.
(فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ) وعظّموه ، أو منعوه حتّى لا يقوى عليه عدوّ.
وأصل التعزير المنع ، ومنه التعزير للضرب دون الحدّ ، لأنّه يمنع من معاودة القبيح.
(وَنَصَرُوهُ) لي ولديني (وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ) أي : مع نبوّته ، وهو القرآن.
وإنّما سمّاه نورا لأنّه بإعجازه ظاهر أمره مظهر غيره. أو لأنّه كاشف الحقائق مظهر لها. أو لأنّه نور في القلوب ، كما أنّ الضياء نور في العيون ، ويهتدي به الخلق في أمور الدين ، كما يهتدون بالنور في أمور الدنيا.
ويجوز أن يكون «معه» متعلّقا بـ «اتّبعوا» أي : واتّبعوا النور المنزل مع اتّباع
__________________
(١) المسوح جمع المسح ، وهو الكساء من شعر ، أو ما يلبس من نسيج الشعر على البدن تقشّفا وزهدا.