لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٦٩) وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (١٧٠))
ثمّ خاطب سبحانه النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ) أي : أعلم. تفعّل من الإيذان بمعناه ، كالتوعّد والإيعاد. ومعناه : واذكر إذ عزم ربّك ، لأنّ العازم على الأمر يحدّث به نفسه ويؤذنها بفعله. وأجري مجرى فعل القسم ، كـ : علم الله وشهد الله ، ولذلك أجيب بما يجاب به القسم ، وهو قوله : (لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ).
والمعنى : وإذ أوجب ربّك على نفسه ليسلّطنّ على اليهود إلى يوم القيامة (مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ) كالإذلال وضرب الجزية ، كما روي أنّ الله بعث عليهم بعد سليمان عليهالسلام بختنصّر ، فخرّب ديارهم ، وقتل مقاتليهم ، وسبى نساءهم وذراريهم ، وضرب الجزية على من بقي منهم ، وكانوا يؤدّونها إلى المجوس ، حتّى بعث الله محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ففعل ما فعل ، ثمّ ضرب عليهم الجزية ، فلا تزال مضروبة عليهم إلى آخر الدهر. ومعنى البعث هاهنا بمعنى الإطلاق والتخلية والأمر.
(إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ) عاقبهم في الدنيا (وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) لمن تاب وآمن. وهذه الآية دالّة على أنّ اليهود لا يكون لهم دولة وعزّة إلى يوم القيامة.
(وَقَطَّعْناهُمْ) وفرّقناهم (فِي الْأَرْضِ أُمَماً) فرقا وجماعات ، بحيث لا يكاد يخلو قطر منهم ، تتمّة لإدبارهم حتّى لا يكون لهم شوكة قطّ. و «أمما» مفعول ثان أو حال (مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ) صفة أو بدل منه. وهم الّذين آمنوا بالمدينة ونظراؤهم (وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ) تقديره : ومنهم ناس دون ذلك ، أي : منحطّون عن الصلاح. وهم كفرتهم وفسقتهم.
(وَبَلَوْناهُمْ) واختبرناهم ، أي : نعاملهم معاملة أهل الاختبار (بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ) بالنعم والنقم (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) ينتبهون فينتهون فينيبون عمّا كانوا