على الجمع ، ألا ترى إلى قوله : (وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ) (١).
وقوله : (وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا) من باب التمثيل. والمعنى في ذلك : أنّه نصب لهم الأدلّة على ربوبيّته ، وركّب في عقولهم ما يدعوهم إلى الإقرار بها ، وجعلها مميّزة بين الضلالة والهداية ، حتّى صاروا بمنزلة من قيل لهم : ألست بربّكم؟ قالوا : بلى شهدنا ، أي : أقررنا بربوبيّتك. فنزّل تمكينهم من العلم بها وتمكّنهم منه بمنزلة الإشهاد والاعتراف ، على طريقة التمثيل.
وقوله : (أَنْ تَقُولُوا) مفعول له على حذف المضاف ، أي : نصبنا الأدلّة الّتي تشهد العقول على صحّتها كراهة أن تقولوا (يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ) لم ننبّه عليه بدليل.
(أَوْ تَقُولُوا) عطف على (أَنْ تَقُولُوا). وقرأ أبو عمرو كليهما بالياء على الغيبة ، لأنّ أوّل الكلام على الغيبة ، أي : كراهة أن يقولوا كذا أو يقولوا : (إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ) فاقتدينا بهم (أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ) يعني : آباءهم المبطلين بتأسيس الشرك. ولمّا كان نصب الأدلّة على التوحيد قائما معهم ، فلا عذر لهم في الإعراض عنه والإقبال على تقليد الآباء والاقتداء بهم ، كما لا عذر لآبائهم في الشرك ، لأنّه نصبت الأدلّة لهم أيضا على التوحيد ، فهذا العذر منهم أيضا غير صحيح.
وقيل : لمّا خلق الله آدم أخرج من ظهره ذرّيّة كالذرّ وأحياهم ، وجعل لهم العقل والنطق ، وألهمهم ذلك. والقول الأوّل أشهر بين المفسّرين وأصحّ.
ولا شبهة أنّ المقصود من إيراد هذا الكلام هنا إلزام اليهود بمقتضى الميثاق العامّ بعد ما ألزمهم بالميثاق المخصوص ، والاحتجاج عليهم بالحجج السمعيّة والعقليّة ، ومنعهم عن التقليد ، وحملهم على النظر والاستدلال ، كما قال : (وَكَذلِكَ)
__________________
(١) الأعراف : ١٧٣.