بآياته ، فقال : (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ) أصل الاستدراج الاستصعاد أو الاستنزال درجة بعد درجة. والمعنى : سنستدنيهم إلى الهلاك قليلا قليلا حتى يقعوا فيه بغتة. (مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) ما نريد بهم ، وذلك بأن تتواتر عليهم النعم ، فيظنّوا أنّها لطف من الله تعالى بهم ، فيزدادوا بطرا وانهماكا في الغيّ ، حتى يحقّ عليهم كلمة العذاب.
(وَأُمْلِي لَهُمْ) عطف على (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ) أي : أمهلهم ولا أعاجلهم بالعقوبة (إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) إنّ أخذي شديد. وإنّما سمّاه كيدا لأنّه شبيه به ، فإنّه في الظاهر إحسان وفي الحقيقة خذلان.
عن قتادة : أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كان على الصفا فدعاهم فخذا فخذا إلى توحيد الله ، يحذّرهم بأس الله. فقال قائلهم : إنّ صاحبكم لمجنون ، بات يهوّت (١) إلى الصباح ، فنزلت : (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ)
ألم يتفكّر هؤلاء الكفّار فيعلموا ما بصاحبهم ـ يعني : بمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ (مِنْ جِنَّةٍ) جنون (إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) موضّح إنذاره بحيث لا يخفى على أحد.
(أَوَلَمْ يَنْظُرُوا) نظر استدلال (فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فيما تدلّان على وجوب وجوبه ووحدانيّته (وَما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ) وفيما خلق الله ممّا يقع عليه اسم الشيء من أجناس خلقه الّتي لا يمكن حصرها ، ليدلّهم على كمال قدرة صانعها ، ووحدة مبدعها ، وعظم شأن مالكها ومتولّي أمرها ، ليظهر لهم صحّة ما يدعوهم إليه.
(وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ) عطف على «ملكوت». و «أن» مصدريّة أو مخفّفة من الثقيلة ، واسمها ضمير الشأن. وكذا اسم «يكون». والمعنى : أو لم ينظروا في اقتراب آجالهم وتوقّع حلولها ، فيسارعوا إلى طلب الحقّ والتوجّه
__________________
(١) أي : يصيح من : هوّت تهويتا به ، أي : صاح.