أو خبر مبتدأ محذوف صفته (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) أي : ومن الّذين هادوا قوم يحرّفون الكلم ، أي : يميلونه عن مواضعه الّتي وضعه الله فيها ، بإزالته عنها وإثبات غيره فيها ، كما حرّفوا «أسمر ربعة» عن موضعه في التوراة ، ووضعوا مكانه : «آدم طوال» ، وحرّفوا الرجم ووضعوا الحدّ بدله. أو يؤوّلونه على ما يشتهون ، فيميلونه عمّا أنزل الله تعالى فيه. فعلى المعنى الأوّل التحريف لفظيّ ، وعلى الثاني معنويّ. وتذكير الضمير باعتبار أن مرجعه اسم الجنس.
(وَيَقُولُونَ سَمِعْنا) قولك (وَعَصَيْنا) أمرك ، أو يقولون بألسنتهم : سمعنا ، وفي قلوبهم : عصينا (وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ) أي : حال كونك مدعوّا عليك بـ «لا سمعت» لصمم أو موت. أو اسمع حال كونك غير مجاب إلى ما تدعو إليه. أو اسمع غير مسمع كلاما ترضاه. أو اسمع كلاما غير مسمع إيّاك ، لأنّ أذنك تنبو عنه. وعلى الوجه الأخير يكون مفعولا به. أو اسمع غير مسمع مكروها ، من قولهم : أسمعه فلان ، إذا سبّه. وعلى هذا قالوه على سبيل الخير نفاقا.
(وَراعِنا) أنظرنا نكلّمك ، أو نفهم كلامك (لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ) فتلا بها ، وصرفا للكلام إلى ما يشبه السبّ ، حيث وضعوا «غير مسمع» موضع «لا أسمعت مكروها» لقصد السبّ ، و «راعنا» المشابه لما يتسابّون به ـ وهو : راعنا ـ موضع «انظرنا». أو فتلا بها وضمّا لما يظهرون من الدعاء والتوقير إلى ما يضمرون من السبّ والتحقير.
(وَطَعْناً فِي الدِّينِ) استهزاء به وسخريّة.
إن قيل : كيف جاءوا بالقول المحتمل ذي الوجهين بعد ما صرّحوا وقالوا : سمعنا وعصينا.
قلنا : جميع الكفرة كانوا يواجهون النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بالكفر والعصيان ، ولا يواجهونه بالسبّ ودعاء السوء ، ويجوز أن يقولوه فيما بينهم ، ويجوز أن لا ينطقوا بذلك ، ولكنّهم لمّا لم يؤمنوا به جعلوا كأنّهم نطقوا به.