ثم قال كعب : يا أهل مكّة ليجيء منكم ثلاثون ، ومنّا ثلاثون ، فنلزق أكبادنا بالكعبة ، فنعاهد ربّ البيت لنجهدنّ على قتال محمد ، ففعلوا ذلك.
فلمّا فرغوا قال أبو سفيان لكعب : إنّك امرئ تقرأ الكتاب وتعلم ، ونحن أمّيّون لا نعلم ، فأيّنا أهدى طريقا وأقرب إلى الحقّ ، نحن أم محمد؟
قال كعب : اعرضوا عليّ دينكم.
فقال أبو سفيان : نحن ننحر للحجيج الكوماء (١) ، ونسقيهم الماء ، ونقري الضيف ، ونفكّ العاني (٢) ، ونصل الرحم ، ونعمر بيت ربّنا ، ونطوف به ، ونحن أهل الحرم. ومحمد فارق دين آبائه ، وقطع الرحم ، وفارق الحرم. وديننا القديم ، ودين محمد الحديث.
فقال كعب : أنتم والله أهدى سبيلا ممّا عليه محمّد.
فقال الله عزوجل : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ) يعني : كعب وأصحابه (يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ) بالصنمين اللّذين كانا لقريش ، وسجد لهما كعب. والجبت في الأصل اسم صنم ، فاستعمل في كلّ ما عبد من دون الله تعالى. وقيل : أصله الجبس ، وهو الّذي لا خير فيه ، فقلبت سينه تاء. والطاغوت يطلق لكلّ باطل من معبود أو غيره. (وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) لأجلهم وفيهم. وهم أبو سفيان وأحزابه. (هؤُلاءِ) إشارة إليهم (أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) محمد وأصحابه (سَبِيلاً) أي : أقواهم دينا وأشدّهم طريقا.
(أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ) أبعدهم الله من رحمته وخذلهم (وَمَنْ يَلْعَنِ اللهُ) يلعنه الله (فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً) في الدنيا والآخرة يمنع العذاب عنه بشفاعة وغيرها.
__________________
(١) الكوماء : البعير الضخم السنام ، والمذكّر : الأكوم ، وجمعه : كوم.
(٢) العاني : الأسير.