(مِمَّا قَضَيْتَ) ممّا حكمت به ، أو من حكمك ، أو شكّا من أجله ، فإنّ الشاكّ في ضيق من أمره (وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) وينقادوا لك ، ويذعنوا لقضائك. و «تسليما» تأكيد للفعل ، أي : انقيادا بظاهرهم وباطنهم.
قيل : نزلت في شأن الزبير وحاطب بن أبي بلتعة ، فإنّهما اختصما إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في شراج من الحرّة كانا يسقيان بها النخل ـ والشرج : المسيل الواسع ، والجمع الشراج والشروج ، والحرّة (١) بضمّ الحاء : السحاب الكثير المطر ـ فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك. فغضب حاطب وقال : أن كان ابن عمّتك؟ فتلوّن وجه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ثم قال : اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر ـ وهو المسنّاة ـ واستوف حقّك ، ثم أرسله إلى جارك.
كان قد أشار اوّلا على الزبير برأي فيه السعة له ولخصمه ، فلمّا أغضب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم استوعب للزبير حقّه في صريح الحكم.
قال الراوي : ثم خرجا فمرّا على المقداد ، فقال : لمن كان القضاء يا أبا بلتعة؟ قال : قضى لابن عمّته ، ولوى شدقه. ففطن لذلك يهوديّ كان مع المقداد فقال : قاتل الله هؤلاء يشهدون أنّه رسول الله ثم يتّهمونه في قضاء يقضي بينهم ، وايم الله لقد أذنبنا مرّة واحدة في حياة موسى عليهالسلام فدعانا موسى إلى التوبة فقال : اقتلوا أنفسكم ، ففعلنا ، فبلغ قتلانا سبعين ألفا في طاعة ربّنا حتّى رضي عنّا.
فقال ثابت بن قيس بن شماس : أما والله إنّ الله ليعلم منّي الصدق ، ولو أمرني أن أقتل نفسي لفعلت. فأنزل الله تعالى في شأن حاطب بن أبي بلتعة وليّه شدقه
__________________
(١) ما ذكره المفسّر «قدسسره» في معنى الحرّة لم نجده في مصادر اللغة ، ولعلّه من سهو قلمه الشريف ، والحرّة ـ بفتح الحاء ـ أرض ذات حجارة سود كأنّها أحرقت بالنار ، وجمعها : الحرّات. والشرج : مسيل الماء من الحرّة إلى السهل ، وجمعه : الشراج.
انظر لسان العرب ٤ : ١٧٩ ـ ١٨٠ ، وج ٢ : ٣٠٦.