علم بمقتضى العرف والعادة أنّها مقدّمة منحصرة يتعذّر التوصّل إلى الواجب بدونها ، فإذا احتمل تمكّنه من الحجّ بمسير قافلة أخرى غير ما يتخلّف عنها ، جاز له التخلّف ، وكذا لو احتمل تمكّنه من الصلاة مع الطهارة المائيّة ، لم يجب عليه حفظ ما عنده من الماء ، بل يجوز له إتلافه حتّى بعد الوقت فضلا عمّا قبله ، فإنّ وجوب ذي المقدّمة لا يقتضي إلّا وجوب ما يتوقّف عليه ويتعذّر بدونه ، فمتى لم يعلم بتوقّف الخروج من عهدة الصلاة مع الطهارة المائيّة على حفظ هذا الماء الموجود أو توقّف الحجّ على الخروج مع هذه القافلة المعيّنة ، لم يجب عليه ذلك.
وكونه أحد أفراد المقدّمة لا يقتضي وجوبه بالخصوص إلّا في فرض الانحصار وعدم إمكان التوصّل إلى الواجب بدونه ، والعلم بكونه كذلك شرط في تنجّز التكليف به بخصوصه ، وإلّا فالمرجع فيه البراءة.
هذا ، مع أنّ حفظ الماء في المثال الأوّل على تقدير مصادفة ماء آخر ليس من أفراد المقدّمة أيضا ، بل هو مقدّمة لخصوص الطهارة الواقعة معه التي لا مدخليّة لخصوصيّتها في المقدّميّة للواجب.
وما يقال من أنّ مقتضى اشتغال الذمّة بالصلاة مع الطهارة المائيّة وجوب حفظ الماء في الفرض من باب الاحتياط ، ففيه : أنّ الاحتياط إنّما يجب عند الشكّ في المكلّف به لا في التكليف ، والتكليف المحرز في المقام ليس إلّا وجوب الصلاة وما يتوقّف عليه فعلها ، وكون حفظ هذا الماء بالخصوص ممّا يتوقّف عليه فعل الصلاة غير معلوم ، فالأصل براءة الذمّة عنه.
وكيف كان فكما يحرم إتلاف الماء عند العلم بتوقّف الصلاة مع الطهارة