المقام إلّا بنصّ صريح ، فالمتعيّن طرح الصحيحتين لو لم يمكن تأويلهما.
لكن يمكن حملهما على الاستحباب فيما هو الغالب من موردهما ـ كما عن المعتبر وغيره (١) ـ فإنّ الغالب أنّ الخوف على النفس بمرض شديد أو تلف من الغسل في أرض باردة عند صحّة المزاج واعتداله ـ كما هو منصرف السؤال ـ إنّما ينشأ عن احتمال موهوم في الغاية لا تجب رعايته ، حيث إنّ المظنون فيه ـ على تقدير أن يتعقّبه التحفّظ من البرد بإكثار الثياب والتحمّي ـ الصحّة والسلامة ، بل الغالب في مثل الفرض الأمن من ضرره إلّا من أمراض يسيرة من زكام ونحوه ممّا لا يجب التحفّظ عنه ، بل ربما يكون خوفه من المرض والتلف من تلبيسات النفس وتسويلاتها تنشأ من مشقّة الفعل ، كما يفصح عن ذلك ما لو وقع قهرا في الماء فخرج وتحفّظ ، فإنّه لا يخاف عليه عادة من تلف أو مرض شديد.
والحاصل : أنّ الغالب أنّه لا يترتّب على الغسل في البرد الشديد مع إمكان التحفّظ خصوصا مع التمكّن من إسخان الماء إلّا المشقّة الرافعة للتكليف.
كما يؤيّد ذلك قول السائل في صحيحة [عبد الله بن] سليمان ـ المتقدّمة (٢) ـ في رجل كان في أرض باردة فتخوّف إن هو اغتسل أن يصيبه عنت من الغسل ، فإنّ العنت : المشقّة ، فقول الإمام عليهالسلام في جوابه : «يغتسل وإن أصابه ما أصابه» يعني من العنت.
وأمّا الخوف من التلف أو المرض الذي يجب التحرّز عنه فلا يكون غالبا إلّا على سبيل الاحتمال الموهوم الذي لا يؤثّر في حرمة العمل ، ولا مانع من تنزيل
__________________
(١) الحاكي عنهما صاحب الجواهر فيها ٥ : ١١٠ ، وانظر : المعتبر ١ : ٣٩٨ ، وكشف اللثام ٢ : ٤٨٨.
(٢) في ص ١٣٩.