الفعل كيفما اتّفق ، وليس إلزام العقل بوجوب اختيار الفرد المحصّل للغرض لأجل صيرورته بعد اختيار المعصية حسنا مقرّبا للعبد إلى سيّده ، بل كيف يعقل أن يطاع السيّد فيما يعصى به ويعاقب عليه!؟ فالفعل الخارجي الصادر من العبد من حيث صدوره منه لا يكون إلّا قبيحا بعد فرض قاهريّة جهته المقبّحة وحسن العقاب عليه ، وإنّما العقل بل وكذا المولى قد يحكم بوجوب اختيار الفرد المشتمل على مصلحة مقهورة من باب الإرشاد إلى ارتكاب أقلّ القبيحين ، نظير الأمر باختيار الخضخضة (١) على الزنا عند إرادة معصية الشارع في حفظ الفرج ، ضرورة أنّ الفرد الذي لا مصلحة فيه رأسا أقبح ممّا فيه مصلحة مقهورة ، فيجب اختياره عند الدوران من باب أقلّ القبيحين ، لكن لا يعقل ذلك في التعبّديّات التي لا مصلحة فيها إلّا إذا تحقّقت بداعي التقرّب المتعذّر حصوله بفعل ما هو مبغوض بالفعل ، فالصلاة في الدار المغصوبة لا مصلحة فيها أصلا كي يتعيّن اختيارها على سائر أنحاء التصرّف في الغصب ، بل مفسدتها أكثر ؛ لاشتمالها على قبح التشريع.
وقد ظهر بما ذكرنا وجه البطلان في المسألة الثانية ، وهي ما إذا توقّف فعل الوضوء أو الغسل على مقدّمة محرّمة ، فإنّ الأمر بما يتوقّف على القبيح أيضا كالأمر بالقبيح قبيح ، بل هو هو ، فإنّ الأمر بالشيء يقتضي إيجاب ما توقّف عليه ولا أقلّ من أنّه يقتضي جوازه ، والمفروض حرمة المقدّمة ، فيمتنع أن يكون ما يتوقّف عليها واجبا ، لكن التفصّي عن شبهة جواز الأمر بالوضوء على سبيل الترتّب ـ كما في غير الأهمّ من المتزاحمين ـ في هذه المسألة أصعب من التفصّي
__________________
(١) الخضخضة ـ بخاءين معجمتين وضادين كذلك ـ هي الاستمناء باليد. مجمع البحرين ٤ : ٢٠٢.