واجبا أهمّ ، كما لو وجب عليه إنقاذ الغريق ـ مثلا ـ ولم يتمكّن معه إلّا من التيمّم والصلاة ماشيا في طريقه فتركه وصلّى مع الطهارة ، صحّت طهارته وصلاته على الأظهر ، كما هو الشأن في جميع الموارد التي أتى بغير الأهمّ من الواجبين المتزاحمين وإن أثم بترك الأهمّ ، إذ لا مانع من وجوب غير الأهمّ في الفرض إلّا مزاحمة الأهمّ ، وهي لا تقتضي إلّا عدم التكليف بغير الأهمّ على تقدير الإتيان بالأهمّ لا مطلقا ، وليس الأمر بإيجاد الأهمّ منجّزا إلّا مانعا من طلب غير الأهمّ أيضا كذلك ، وأمّا الأمر بإيجاده على تقدير ترك الأهمّ فلا ، كما تقدّم تقريبه في المسألة السابقة.
وعرفت فيما تقدّم اندفاع ما قد يتوهّم من أنّ ما دلّ على وجوب الوضوء والغسل إنّما يدلّ على وجوبهما منجّزا ، وقد قيّد إطلاقه بإطلاق ما دلّ على وجوب الأهمّ ، ولا دليل لنا غيره يدلّ على وجوب غير الأهمّ معلّقا على العصيان حيث عرفت أنّ الحاكم بالتقييد ليس إلّا العقل الذي لا يحكم إلّا بعدم الوجوب على تقدير الإتيان بالأهمّ لا مطلقا.
وببيان أوفى : إنّ الواجبين إنّما يتزاحمان إذا عمّ إطلاق دليلهما مورد المزاحمة ، وإلّا فلا معارضة ، كما هو واضح.
وحينئذ نقول : مقتضى إطلاق الدليلين وجوب الإتيان بهما مطلقا ، لكنّ القدرة على الامتثال شرط في تنجّز التكاليف (١) بحكم العقل ، وحيث إنّ امتثالهما معا غير ممكن استقلّ العقل بمعذوريّة المكلّف في ترك الغير المقدور ، وهو الإتيان بهما معا ، وأمّا الإتيان بأحدهما عند ترك الآخر فهو مقدور فيجب ، و
__________________
(١) في «ض ٣ ، ٤ ، ٥» : «التكليف».