ثم أوحى الله تبارك وتعالى اليه : يا صالح قل لهم : ان الله قد جعل لهذه الناقة شرب يوم ولكم شرب يوم (١) فكانت الناقة إذا كان يوم شربها شربت الماء ذلك اليوم فيحلبونها ، فلا يبقى صغير ولا كبير الا شرب من لبنها يومهم ذلك ؛ فاذا كان الليل وأصبحوا غدوا الى مائهم فشربوا منه ذلك اليوم ولم تشرب الناقة ذلك اليوم ، فمكثوا بذلك ما شاء الله ، ثم انهم عتوا على الله ومشى بعضهم الى بعض ، وقالوا : اعقروا هذه الناقة واستريحوا منها لا نرضى أن يكون لنا شرب يوم ولها شرب يوم ، ثم قالوا : من ذا الذي يلي قتلها ونجعل له جعلا ما أحب؟ فجاءهم رجل أحمر أشقر (٢) أزرق ولد زنا لا يعرف له أب ، يقال له قدار (٣) شقي من الأشقياء ، مشئوم عليهم فجعلوا له جعلا ، فلما توجهت الناقة الى الماء الذي كانت ترده تركها حتى شربت الماء وأقبلت راجعة ، فقعد لها في طريقه فضربها بالسيف ضربة فلم يعمل شيئا ؛ فضربها ضربة اخرى فقتلها ، فخرت الى الأرض على حينها وهربت فصيلها ، حتى صعد الى الجبل فرغا (٤) ثلاث مرات الى السماء وأقبل قوم صالح فلم يبق أحد الا شركه في ضربته واقتسموا لحمها فيما بينهم ، فلم يبق صغير ولا كبير الا أكل منها ، فلما رأى ذلك صالح أقبل إليهم فقال : يا قوم ما دعاكم الى ما صنعتم أعصيتم ربكم؟ فأوحى الله تبارك وتعالى الى صالح عليهالسلام : ان قومك قد طغوا وبغوا وقتلوا ناقة بعثها الله إليهم حجة عليهم ، ولم يكن عليهم منها ضرر ، وكان لهم أعظم المنفعة فقل لهم : انى مرسل إليكم عذابي الى ثلثة أيام ، فان هم تابوا ورجعوا قبلت توبتهم وصددت عنهم ، وان هم لم يتوبوا ولم يرجعوا بعثت إليهم عذابي في اليوم الثالث ، فأتاهم صالح صلى الله عليه فقال لهم : يا قوم انى رسول ربكم إليكم ، وهو يقول لكم : ان أنتم تبتم ورجعتم واستغفرتم غفرت لكم وتبت عليكم ، فلما قال لهم ذلك كانوا أعتا ما كانوا وأخبث وقالوا : (يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ
__________________
(١) الشرب ـ بالكسر ـ : النصيب من الماء.
(٢) الأشقر من الناس : من تعلو بياضه حمرة.
(٣) قدار : بضم القاف وتخفيف الدال كما في القاموس.
(٤) رغا البعير : صوت وضج.