هاشم فجاء عبد المطلب الى الملك فاستأذن عليه فاذن له ، وهو في قبة ديباج على سرير له، فسلم عليه فرد أبرهة السلام وجعل ينظر في وجهه ، فراعه حسنه وجماله وهيئته ، فقال له: هل كان في آبائك مثل هذا النور الذي أراه لك والجمال؟ قال : نعم أيها الملك كل آبائي كان لهم هذا الجمال والنور والبهاء ، فقال له أبرهة لقد فقتم فخرا وشرفا ويحق لك أن تكون سيد قومك ، ثم أجلسه معه على سريره وقال لسايس فيله الأعظم وكان فيلا ابيض عظيم الخلق له نابان مرصعان بأنواع الدر والجواهر ، وكان الملك يباهي به ملوك الأرض : ايتني به فجاء به سايسه وقد زين بكل زينة حسنة ، فحين قابل [وجه] عبد المطلب سجد له ولم يكن سجد لملكه وأطلق الله لسانه بالعربية ، فسلم على عبد المطلب ، فلما راى الملك ذلك ارتاع له وظنه سحرا فقال : ردوا الفيل الى مكانه ، ثم قال لعبد الملك : فيم جئت؟ فقد بلغني سخاؤك وكرمك وفضلك ، ورأيت من هيئتك وجمالك وجلالك ما يقتضي ان انظر في حاجتك فسلني ما شئت ، وهو يرى انه يسأله في الرجوع عن مكة؟ فقال له عبد المطلب : ان أصحابك غدوا على سرح لي فذهبوا به فمرهم برده على قال : فتغيظ الحبشي من ذلك وقال لعبد المطلب لقد سقطت من عيني جئتني تسألنى في سرحك وأنا قد جئت لهدم شرفك وشرف قومك ومكرمتكم التي تتميزون بها من كل جبل؟ وهو البيت الذي يحج اليه من كل صقع في الأرض (١) فتركت مسألتى في ذلك وسألتنى في سرحك؟ فقال له عبد المطلب : لست برب البيت الذي قصدت لهدمه وأنا رب سرحي الذي أخذه أصحابك فجئت أسئلك فيما أنا ربه وللبيت رب هو أمنع له من الخلق كلهم وأولى به منهم ، فقال الملك : ردوا عليه سرحه وانصرف الى مكة واتبعه الملك بالفيل الأعظم مع الجيش لهدم البيت ، فكانوا إذا حملوه على دخول الحرم أناخ وإذا تركوه رجع مهرولا ، فقال عبد المطلب لغلمانه : ادعوا الى إبني فجيء بالعباس فقال : ليس هذا أريد ، ادعوا الى إبني فجيء بأبى طالب ، فقال : ليس هذا أريد أدعو الى إبني فجيء بعبد الله أب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فلما أقبل اليه قال : اذهب يا بنى حتى تصعد أبا قبيس ثم اضرب ببصرك
__________________
(١) الصقع : الناحية.