ورابعها : الانحطاط الكبير ، وهو سن الشيخوخة.
فاحتجّ ـ تعالى ـ بانتقال الحيوان من بعض هذه المراتب إلى بعض ، على أن ذلك النّاقل هو الله ـ تعالى ـ ثم قال : (ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ) عند قضاء آجالكم صبيانا ، أو شبابا ، أو كهولا أو شيوخا.
(وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ) ، أي : أردأه لقوله ـ عزوجل ـ : (وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ) [الشعراء : ١١١] وقوله ـ تعالى ـ : (إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا) [هود : ٢٧].
قال مقاتل : يعني الهرم (١). وقال قتادة : تسعون سنة (٢).
وقيل : ثمانون سنة.
قيل : هذا مختصّ بالكافر ؛ لأنّ المسلم لا يزداد بطول العمر إلا كرامة على الله ، ولا يجوز أن يقال إنه رده إلى أرذل العمر ؛ لقوله ـ تعالى ـ : (ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) [التين : ٥ ، ٦] ، فبيّن أن الذين آمنوا وعملوا الصّالحات ما ردّوا إلى أسفل سافلين.
وقال عكرمة : من قرأ القرآن ، لم يردّ إلى أرذل العمر.
قوله : «لكيلا» في هذه اللّام وجهان :
أحدهما : أنّها لام التعليل ، و«كي» بعدها مصدرية ليس إلا وهي ناصبة بنفسها للفعل بعدها ، وهي منصوبة في تأويل مصدر مجرور باللام ، واللام متعلقة ب «يردّ».
قال الحوفيّ : إنها لام «كي» ، و«كي» للتأكيد.
وفيه نظر ؛ لأنّ اللام للتّعليل و«كي» بعدها مصدريّة لا إشعار لها بالتّعليل والحالة هذه ، وأيضا فعملها مختلف.
والثاني : أنها لام الصّيرورة.
قوله : «شيئا» يجوز فيه التنازع ؛ لأنه تقدمه عاملان : يعلم وعلم ، أي : الفعل والمصدر ، فعلى رأي البصريّين ـ وهو المختار ـ يكون منصوبا ب «علم» وعلى رأي الكوفيين يكون منصوبا ب «يعلم».
وهو مردود ؛ إذ لو كان كذلك لأضمر في الثاني ، فيقال : لكيلا يعلم بعد علم إيّاه شيئا.
ومعنى الآية : لا يعقل بعد عقله الأوّل شيئا ، إن الله عليم قدير.
قال ابن عبّاس ـ رضي الله عنه ـ : يريد بما صنع أولياؤه وأعداؤه ، «قدير» على ما يريد(٣).
__________________
(١) ذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ٧٦).
(٢) ينظر : المصدر السابق.
(٣) ذكره الرازي في «تفسيره» (٢٠ / ٦٣).