يحصل بالعجن بالعسل ، والأشربة المتّخذة منه في الأمراض البلغميّة عظيمة النّفع.
وقال مجاهد ـ رحمهالله ـ : المراد بقوله ـ تعالى ـ : (فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ) القرآن (١) ؛ لقوله ـ تعالى ـ : (وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) [يونس : ٥٧].
وقال ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ : «عليكم بالشّفاءين : العسل والقرآن» (٢).
وعلى هذا تمّ الكلام عند قوله : (مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ) ، ثم ابتدأ وقال : (فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ) أي : في هذا القرآن.
وهذا القول ضعيف ؛ لما تقدم من الحديث ؛ ولأنّ الضمير يجب عوده إلى أقرب مذكور وهو الشّراب ، وأما عوده إلى غير مذكور ، فلا يناسب.
فإن قيل : ما المراد بقوله ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ : «وكذب بطن أخيك»؟.
فالجواب : لعلّه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ علم بالوحي أنّ ذلك العسل سيظهر نفعه بعد ذلك ، فلمّا لم يظهر نفعه في الحال ـ مع أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ كان عالما بأنه سيظهر نفعه بعد ذلك ـ كان هذا جاريا مجرى الكذب ، فلهذا أطلق عليه هذا اللفظ.
ثم إنه ـ تعالى ـ ختم الآية بقوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) أي : ما ذكرنا من اختصاص النّحل بتلك العلوم الدقيقة والمعارف الغامضة ؛ مثل بناء البيوت المسدّسة واهتدائها إلى جمع تلك الأجزاء الواقعة من جو الهواء على أطراف أوراق الأشجار بعد تفرّقها ، فكل ذلك أمور عجيبة دالّة على أنّ إله هذا العالم رتّبه على رعاية الحكمة والمصلحة.
قوله ـ تعالى ـ : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ) الآية لمّا ذكر ـ تعالى ـ عجائب أحوال الأنهار والنّبات والأنعام والنّحل ، ذكر بعض عجائب أحوال الناس في هذه الآية.
واعلم أن العقلاء ضبطوا مراتب عمر الإنسان في أربع مراتب :
أولها : سنّ النشوء والنّماء.
وثانيها : سن الوقوف وهو سنّ الشباب.
وثالثها : سن الانحطاط القليل ، وهو سنّ الكهولة.
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٦١٤) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٢٣٠) وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم.
(٢) أخرجه ابن ماجه (٢ / ١١٤٢) رقم (٣٤٥٢) والحاكم (٤ / ٢٠٠) والخطيب (١١ / ٣٨٥) من طريق زيد بن الحباب عن سفيان عن أبي إسحق عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود مرفوعا.
وقال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي وقال البوصيري في «الزوائد» (٣ / ١٢٠): هذا إسناد صحيح رجاله ثقات ومن هذا الوجه أخرجه البيهقي (٩ / ٣٤٤) وقال : رفعه غير معروف والصحيح موقوف ورواه وكيع عن سفيان موقوفا.
والموقوف أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٦١٤) والحاكم (٤ / ٤٠٣) والبيهقي (٩ / ٣٤٥) وابن أبي شيبة كما في «الدر المنثور» (٤ / ٢٣٠).