الله ـ تعالى ـ ؛ كقوله ـ عزوجل ـ : (جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً) [الملك : ١٥] وأن يكون حالا من فاعل «اسلكي» ، أي : مطيعة منقادة ، بمعنى أنّ أهلها ينقلونها من مكان إلى مكان ولها يعسوب إذا وقف وقفت وإذا سار سارت.
وانتصاب «سبل» يجوز أن يكون على الظرفية ، أي : فاسلكي ما أكلت في سبل ربك ، أي في مسالكه التي يحيل فيها بقدرته النوار ونحوه عسلا ، وأن يكون مفعولا به أي : اسلكي الطّرق التي أفهمك وعلّمك في عمل العسل.
قوله : (يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها) التفات وإخبار بذلك ، والمقصود منه أن يحتجّ المكلف به على قدرة الله وحكمته وحسن تدبيره.
واعلم أنّا إذا حملنا الكلام على أنّ النّحل تأكل الأوراق والثّمرات ثم تتقيّأ ، فذلك هو العسل فظاهر ، وإذا ذهبنا إلى أنّ النحل يلتقط الأجزاء الطلية بفمه ، فالمراد من قوله : (يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها) ، أي : من أفواهها ، فكل تجويف في داخل البدن يسمى بطنا ، كقولهم : بطون الدّماغ ، أي : تجاويف الدّماغ ، فكذا قوله ـ تعالى ـ (يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها) أي : من أفواهها.
قوله : (شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ) أنّه تارة يشرب وحده ، وتارة نتّخذ منه الأشربة ، و (مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ) أبيض وأحمر وأصفر.
وقوله ـ تعالى ـ (فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ) ، أي : في العسل.
روى أبو سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال : جاء رجل إلى النّبي صلىاللهعليهوسلم فقال : إنّ أخي استطلق بطنه ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : اسقه عسلا ، فسقاه ، ثمّ جاء فقال : إني سقيته فلم يزده إلّا استطلاقا ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : اسقه عسلا ثلاث مرّات ، ثمّ جاء الرّابعة ، فقال صلوات الله وسلامه عليه : اسقه عسلا فقال : قد سقيته فلم يزده إلا استطلاقا فقال رسول اللهصلىاللهعليهوسلم : «صدق الله وكذب بطن أخيك ، فسقاه فبرأ» (١).
وقال عبد الله بن مسعود : «العسل شفاء من كلّ داء» (٢).
فإن قيل : كيف يكون شفاء للناس وهو يضرّ بالصفراء ويهيج المرار؟.
فالجواب : أنه ـ تعالى ـ لم يقل : إنه شفاء لكلّ الناس وشفاء لكل داء في كلّ حال ، بل لمّا كان شفاء للبعض ومن بعض الأدواء ، صلح بأن يوصف بأنه فيه شفاء ؛ والذي يدل على أنه شفاء في الجملة : أنه قلّ معجون من المعاجين إلا وتمامه وكماله إنما
__________________
(١) أخرجه البخاري (١٠ / ١٣٩) كتاب الطب : باب الدواء بالعسل (٥٦٨٤) ومسلم (٤ / ١٧٣٦) كتاب السلام : باب التداوي بسقي العسل حديث (٩١ / ٢٢١٧) وأحمد (٣ / ١٩ ، ٩٢) والبغوي في «شرح السنة» (٦ / ٢٤٩) والبيهقي (٩ / ٣٤٤) من طريق قتادة عن أبي المتوكل عن أبي سعيد الخدري.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٦١٤) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٢٣٠) وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة.