وتعالى ـ : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) [النساء : ٤١].
قوله : (ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) قال الزمخشري : «فإن قلت : ما معنى «ثمّ» هذه؟ قلت : معناه : أنهم يمنعون بعد شهادة الأنبياء عليهالسلام بما هو أطمّ منه ، وهو أنهم يمنعون الكلام ، فلا يؤذن لهم في إلقاء معذرة ولا [إدلاء](١) حجة». انتهى.
ومفعول الإذن محذوف ، أي : لا يؤذن لهم في الكلام ؛ كما قال ـ تعالى ـ : (وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) [المرسلات : ٢٦] أي : في الرّجوع إلى الدنيا.
وقيل : لا يؤذن لهم في الكلام أصلا ، (وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) أي : لا تزال عتابهم وهي ما يعتبون عليها ويلامون ؛ يقال : استعتبت فلانا بمعنى : أعتبته ، أي : أزلت عتباه ، و«استفعل» بمعنى : «أفعل» غير مستنكر ، قالوا : استدنيت فلانا وأدنيته بمعنّى واحد.
وقيل : السّين على بابها من الطّلب ، ومعناه : أنهم لا يسألون أن يرجعوا عما كانوا عليه في الدّنيا ، فهذا استعتاب معناه طلب عتابهم.
وقال الزمخشري (٢) «ولا هم يسترضون ، أي : لا يقال لهم : أرضوا ربكم ؛ لأن الآخرة ليست بدار عمل». وسيأتي لهذا مزيد بيان إن شاء الله ـ تعالى ـ في سورة حم السجدة ؛ لأنه أليق لاختلاف القراء فيه. ثم إنّه ـ تعالى ـ أكّد هذا الوعيد فقال : (وَإِذا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذابَ) أي : أن هؤلاء المشركين إذا رأوا العذاب ووصلوا إليه ، فعند ذلك (فَلا (٣) يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) ولا يؤخّرون ولا يمهلون ؛ لأن التوبة هناك غير موجودة.
قوله : «فلا يخفّف» هذه الفاء وما حيّزها جواب «إذا» ، ولا بدّ من إضمار مبتدأ قبل هذه الفاء ، أي : فهو لا يخفف ؛ لأن جواب «إذا» متى كان مضارعا ، لم يحتج إلى فاء سواء كان موجبا ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ تَعْرِفُ) [الحج : ٧٢] أم منفيّا ؛ نحو : «إذا جاء زيد لا يكرمك».
قوله تعالى : (وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ) وهذا من بقيّة وعيد المشركين ، وفي الشركاء قولان :
الأول : أن الله ـ تعالى ـ : يبعث الأصنام فتكذّب المشركين ، ويشاهدونها في غاية الذّلّ والحقارة ، وكل ذلك مما يوجب زيادة الغمّ والحسرة في قلوبهم.
والثاني : أن المراد بالشركاء : الشّياطين الذين دعوا الكفّار إلى الكفر ؛ قاله الحسن ـ رضي الله عنه ـ ، وإنّما ذهب إلى هذا القول ؛ ـ لأنه ـ تعالى ـ حكى عن الشركاء أنّهم كذّبوا الكفار ، والأصنام جمادات فلا يصحّ منهم هذا القول.
وهذا بعيد ؛ لأن الله ـ تعالى ـ قادر على خلق الحياة في الأصنام وعلى خلق العقل والنّطق فيها.
__________________
(١) في ب : إثبات.
(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ٦٢٦.