ذكره ـ : (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً) [الفرقان : ٦٧] وقال ـ جل ذكره ـ : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ) [الإسراء: ٢٩] ، وقال صلىاللهعليهوسلم : «خير الأمور أوسطها».
ورابعها : أن شريعتنا أمرت بالختان ، والحكمة فيه : أن رأس الذّكر جسم شديد الإحساس ، فلو بقيت القلفة ، لبقي العضو على كمال قوّته ، فيعظم الالتذاذ ، أمّا إذا قطعت الجلدة ، بقي العضو عاريا ، فيلقى الثياب وسائر الأجسام ، فيتصلب فيضعف حسّه ويقل شعوره ، فيقلّ الالتذاذ بالوقاع ، فتقلّ الرغبة فيه ، فأمرت الشريعة بالختان ؛ سعيا في تقليل تلك اللذة ، حتّى يصير ميل الإنسان إلى الوقاع معتدلا ، وألّا تصير الرّغبة فيه داعية غالبة على الطّبع.
فالذي ذهب إليه المانويّة من الإخصاء وقطع الآلات مذموم ؛ لأنه إفراط ، وإبقاء تلك الجلدة مبالغة في تقوية تلك اللذة ، والعدل الوسط هو الختان.
واعلم أن الزّيادة على العدل قد تكون إحسانا ، وقد تكون إساءة ؛ فالعدل في الطاعات هو أداء الواجبات ، والزيادة على الواجبات طاعات ، فهي من جملة الإحسان ؛ ولهذا قال ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ لجبريل ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ حين سأله عن الإحسان : «أن تعبد الله كأنّك تراه فإن لم تكن تراه فإنّه يراك».
وسمّي هذا المعنى بالإحسان ؛ لأنه بالمبالغة في الطاعة ، كأنه يحسن إلى نفسه بإيصال الخير والفعل الحسن ، ويدخل في الإحسان التعظيم لأمر الله ، والشّفقة على خلق الله ، ويدخل في الشّفقة على خلق الله أقسام كثيرة ، وأعظمها : صلة الرحم ؛ فلهذا أفرده ـ تعالى ـ بالذّكر ، فقال ـ تعالى ـ : (وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى) وأما الثّلاثة التي نهى الله عنها ؛ وهي : «الفحشاء والمنكر والبغي» فنقول : إنه ـ تعالى ـ أودع في النّفس البشرية قوى أربعة ؛ وهي : الشّهوانيّة البهيميّة ، والغضبيّة السبعيّة ، والوهميّة الشيطانيّة ، والعقليّة الملكية.
فالعقلية الملكيّة لا يحتاج الإنسان إلى تهذيبها ؛ لأنه من جوهر الملائكة.
وأما القوّة الشهوانية فرغبتها في تحصيل اللذّات الشهوانية ، وهذا النّوع مخصوص بالفحشاء ، ألا ترى أنه ـ تعالى ـ سمى الزنا فاحشة ؛ فقال ـ جل ذكره ـ : (إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً) [الإسراء : ٣٢] ، وقوله ـ تعالى ـ : (وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ) المراد منه : المنع من تحصيل اللذات الشهوانيّة.
وأما القوّة الغضبية السبعية : فهي أبدا تسعى في إيصال الشرور والأذى إلى سائر النّاس ، وهذا ممّا ينكره الناس ، فالمنكر عبارة عن الإفراط الحاصل من آثار القوّة الغضبيّة.
وأما القوّة الوهميّة الشيطانية : فهي أبدا تسعى في الاستعلاء على الناس ، والترفع