واستضعف أبو حيّان الأوجه الثلاثة ؛ فقال : «لأن الأوّل يقتضي أنه لايفتري الكذب إلا من كفر بالله من بعد إيمانه ، والوجود يقتضي أن المفتري هو الّذي لا يؤمن بالله سواء كان ممن كفر بعد إيمانه أو كان ممن لم يؤمن قطّ ؛ بل الأكثر الثاني ، وهو المفتري.
قال : وأما الثاني : فيؤول المعنى إلى ذلك ؛ إذ التقدير : وأولئك ، أي : الذين لا يؤمنون هم من كفر بالله من بعد إيمانه ، والذين لا يؤمنون هم المفترون.
وأما الثالث : فكذلك ؛ إذ التقدير : أن المشار إليهم هم من كفر بالله من بعد إيمانه ، مخبرا عنهم بأنهم الكاذبون».
الوجه الرابع : قال الزمخشري : «أن ينتصب على الذّمّ».
قال ابن الخطيب (١) : وهو أحسن الوجوه عندي وأبعدها من التّعسّف.
الخامس : أن يرتفع على أنه خبر مبتدأ مضمر على الذّمّ.
السادس : أن يرتفع على الابتداء ، والخبر محذوف ، تقديره : فعليهم غضب ؛ لدلالة ما بعد «من» الثانية عليه.
السابع : أنها مبتدأ أيضا ، وخبرها وخبر «من» الثانية قوله : (فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ).
قال ابن عطية رحمهالله : «إذ هو واحد بالمعنى ؛ لأنّ الإخبار في قوله ـ تعالى ـ : (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ) إنّما قصد به الصنف الشارح بالكفر».
قال أبو حيّان (٢) : «وهذا وإن كان كما ذكر ، إلا أنّهما جملتان شرطيتان ، وقد فصل بينهما بأداة الاستدراك ، فلا بدّ لكل واحدة منهما على انفرادها من جواب لا يشتركان فيه ، فتقدير الحذف أجري على صناعة الإعراب ، وقد ضعّفوا مذهب الأخفش في ادّعائه أن قوله ـ تعالى ـ : (فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ) [الواقعة : ٩١] وقوله ـ جل ذكره ـ : (فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ) [الواقعة : ٨٩] جواب ل «أمّا» و«إن» ، هذا ، وهما أداتا شرط وليست إحداهما الأخرى».
الثامن : أن تكون «من» شرطية ، وجوابها مقدّر ، تقديره : فعليهم غضب ؛ لدلالة ما بعد «من» الثانية عليه ، وقد تقدّم أن ابن عطيّة جعل الجزاء لهما معا ، وتقدم الكلام معه فيه.
قوله تعالى : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ) فيه أوجه :
أحدها : أنه مستثنى مقدم من قوله : «فأولئك عليهم غضب» وهذا يكون فيه منقطعا ؛ لأن المكره لم يشرح بالكفر صدرا.
وقال أبو البقاء : وقيل : ليس بمقدّم ؛ فهو كقول لبيد : [الطويل]
__________________
(١) ينظر : الفخر الرازي ٢٠ / ٩٧.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٥٢٠ ـ ٥٢١.