أولها : أنهم استوجبوا غضب الله.
وثانيها : أنّهم استحقّوا العذاب الأليم.
وثالثها : أنّهم استحبّوا الحياة الدّنيا على الآخرة.
ورابعها : أنه ـ تعالى ـ حرمهم من الهداية.
وخامسها : أنه ـ تعالى ـ طبع على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم.
وسادسها : أنه ـ تعالى ـ جعلهم من الغافلين عما يراد بهم من العذاب الشديد يوم القيامة ، فكل واحد من هذه الصّفات من أعظم الموانع عن الفوز بالسعادات والخيرات ، ومعلوم أنه ـ تعالى ـ إنما أدخل الإنسان في الدنيا ؛ ليكون كالتّاجر الذي يشتري بطاعته سعادات الآخرة ، فإذا حصلت هذه الموانع العظيمة ، عظم خسرانه ؛ فلهذا قال ـ تعالى ـ : (لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ) أي هم الخاسرون لا غيرهم.
قوله ـ تعالى ـ : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا) الآية لما ذكر في الآية المتقدمة حال من كفر بالله من بعد إيمانه ، وحال من أكره على الكفر ذكر [بعده] حال من هاجر من بعد ما فتن.
في خبر «إنّ» هذه ثلاثة أوجه :
أحدها : قوله ـ تعالى ـ : (لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) ، و (إِنَّ رَبَّكَ) الثانية ، واسمها تأكيد للأولى واسمها ؛ فكأنه قيل : ثمّ إنّ ربّك إنّ ربّك لغفور رحيم ، وحينئذ يجوز في قوله : «للّذين» وجهان :
أحدهما : أن يتعلق بالخبرين على سبيل التنازع ، أو بمحذوف على سبيل البيان ؛ كأنه قيل: الغفران والرحمة للّذين هاجروا.
الثاني : أن الخبر هو نفس الجار بعدها ؛ كما تقول : إنّ زيدا لك ، أي : هو لك لا عليك ، بمعنى : هو ناصرهم لا خاذلهم ، قال معناه الزمخشري ، ثم قال : «كما يكون الملك للرجل لا عليه ، فيكون محميّا منفوعا غير مضرور».
قال شهاب الدّين : «قد يتوهّم أن قوله : «منفوعا» استعمال غير جائز ؛ لما قاله الأهوازي عليه رحمة الله في شرح موجز الرماني : إنّه لايقال : «منفوع» اسم مفعول من نفعته ، فإن الناس قد ردّوا على الأهوازي».
الثالث : أن خبر الأولى مستغنى عنه بخبر الثانية ، يعني : أنه محذوف لفظا ؛ لدلالة ما بعده عليه ، وهذا معنى قول أبي البقاء : «وقيل : لا خبر ل «إنّ» الأولى في اللّفظ ؛ لأنّ خبر الثانية أغنى عنه».
وحينئذ لا يحسن ردّ أبي حيّان عليه بقوله : «وهذا ليس بجيّد ؛ لأنه ألغى حكم الأولى ، وجعل الحكم للثانية ، وهو عكس ما تقدّم ، وهو لا يجوز».